معرفتي المباشرة بدبي عمرها 15 عاماً. أطالع الأخبار والتقارير عنها كغيري من أبناء المهنة وغيرهم من المهتمين بما يجري في العالم على مدار سنوات طويلة. وفي كل مرة أسافر إلى دبي، أو أستقبل أصدقاء وصديقات قادمين منها إلى مصر، أخرج بتأملات وأسئلة تبحث عن إجابات أجتهد من أجل الوصول إلى بعضها. ولكن الإجابات لا تفضي إلا إلى المزيد من الأسئلة فدبي في حالة تغير مستمر، وفي الوقت نفسه ثابتة. وهي في تطور لا يتوقف رغم أن الجذور آخذة في التمدد وتثبيت نفسها في أعماق الأرض.

الأرض التي تحوي هذه الخلطة السحرية تقول الكثير ولكنها تظل تحتفظ لنفسها بسر «الضبطة». ضبط الإضافات بحيث لا يطغى أي منها على الآخر مع الإبقاء على المكونات الرئيسة صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة.

عقد ونصف من معرفة دبي الشخصية أخرج منها ببضع ملاحظات أود في مناسبة «عيد الاتحاد» أن ألخصها في نقاط.

«تكامل لا تنافس» أظنها السر الرئيس للنجاح والتميز. الإمارات السبع المكونة لدولة الإمارات العربية المتحدة تجمعها عوامل وسمات وتاريخ وجغرافيا مشتركة حيث الدين والثقافة والعادات والتقاليد والاقتصاد. وفي الوقت نفسه يتمتع ويحتفظ كل منها بسماته ومزاياه الفريدة التي لا تخطئها عين. ويمكن القول إن دبي تمثل خليطاً من قلب الإمارات وعقلها الشاب القادر على الجمع بين الاقتصاد والتطوير والإبداع، وفي الوقت نفسه المتمسك بالجذور والأصالة.

الشعور بـ«الأصالة» الممزوج بـ«الحداثة» يعتري أي زائر، وهو المزيد المريح للعين والقلب وبالطبع العقل. تدرك أنك في مدينة لها ماضٍ وتاريخ وطابع ثقافي واجتماعي، وفي الوقت نفسه تعرف أنك في مكان لا يواكب العصر بتقنياته وأدواته فحسب، بل يسبقه بخطوة وربما بخطوتين. إنه المزج الفريد بين الأصالة والحداثة من دون أن يطغى أحدهما على الآخر.

آخر ما يمكن أن تشعر به في دبي الوحشة أو الغربة أو أنك شخص غير مرغوب فيه أو مرحب بوجوده. ينتاب الزائر والمقيم هذا الشعور بأنه ضيف مرغوب فيه وقادر على الاحتفاظ بهويته وثقافته مع التعرف إلى ما حوله من هوية وثقافة أهل المكان وغيرها من هويات وثقافات تنتمي إلى أغلب دول العالم. يسمونه اندماجاً بفضل الاحتضان من دون الذوبان. هذه الآلاف المختلفة في الأعراق والثقافات مندمجة مع بعضها بعضاً بفضل احتضان دبي لها من دون أن يفرض عليها الذوبان أو ضياع معالمها الثقافية وسماتها المتفردة. وهذا ربما ما يجعل الصورة الذهنية لدبي أقرب ما تكون إلى لوحة فسيفساء ضخمة متعددة الألوان والتصاميم المتناغمة والمتناسقة في إطار عريض قوامه هوية دبي وثقافتها.

«ثقافة وفن ومتعة». هذا الثالوث الممتع المبهج المريح للروح والعقل يفرض نفسه على المواطن والزائر والمقيم. إنها التفاصيل الصغيرة قبل المشروعات الكبيرة التي تتسلل إلى الأفراد فتجعل من دبي مدينة ثقافية فنية ممتعة. المباني ليست مجرد حديد وأسمنت، ووسائل المواصلات ليست مجرد مركبات، والمراكز التجارية ليست مجرد أماكن للتسوق. أينما ذهبت، تطل عليك لمسات الثقافة وأنامل الفن ونعمة المتعة البصرية والنفسية والعقلية.

عقل من دون «إبداع وابتكار» ومواكبة، بل استشراف للمستقبل هو عقل عادي. أما العقل المدبر للإبداع والمهيئ لبيئة حاضنة ومشجعة على الابتكار، فهو الذي ينجم عنه نموذج دبي المتفرد في المنطقة حيث مراكز ومبادرات ومؤسسات قائمة على تشجيع الابتكار وتهيئة الموارد النفسية والمادية اللازمة له، مع إفساح المجال تماماً للمبدع الحقيقي والمبتكر الموهوب ليكون في صدارة المشهد. وقد يكون الابتكار في الدوائر الحكومية، وقد يكون في معامل البحث والعلوم، وقد يكون في الأفكار والوصول إلى حلول للتحديات، وما أكثرها في عالمنا المعاصر.

عالمنا المعاصر بات عالماً رقمياً بامتياز. وحين تذكر عبارة «عالم رقمي»، فإن دبي - بسبقها واستباقها في هذا المجال - تتحدث عن نفسها. ويمكن القول إن دبي تمثل نموذجاً واقعياً للتحول الرقمي بمعناه الشامل غير الغافل للعنصر البشري. استراتيجية كاملة للحكومة الرقمية، اقتصاد مستدام في عصر رقمي، تيسير خطوات وإجراءات الاستثمار والشركات عبر منصات وأدوات رقمية، تخصصات دراسية في الحوكمة والاستدامة في العصر الرقمي، إعلام مازج بين العصرين الرقمي والتقليدي، نظام تعليمي تقبع الرقمنة في القلب منه، وحتى الفنون والسفر والسياحة فيها من الرقمنة ما يتحدث عن نفسه. هذه وغيرها سمات دبي الرقمية.

سمات دبي تجعل منها هذا المكان الأيقوني شكلاً وموضوعاً فلا يمكن اختزاله أو اختصاره في كلمات وصفحات. إنها قصة نجاح بكل تفاصيلها، ومراحلها، وأفكارها، ورؤيتها. ويبدو «عيد الاتحاد» – وهو في حد ذاته قصة نجاح لفكرة الاتحاد والتكامل – مناسبة رائعة للتفكير وطرح المزيد من الأسئلة والاجتهاد للوصول إلى إجابات عن «سر دبي» وسر الخلطة السحرية.