في الزيارة التي يختتمها، اليوم، الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى المملكة العربية السعودية، إشارات ذات دلالة للإدارة الأمريكية الحالية، التي تصر على التمسك بموقفها في ما يخص ملفات جدلية في علاقتها مع السعودية في النفط والملف اليمني وغيرها، وفي الزيارة إشارات للدولة السعودية نفسها، التي تشهد تحولات اقتصادية وسياسية كبيرة.

وكذلك إشارات لدول المنطقة، حيث تحاول الصين الاستفادة منها في مجال إعادة صياغة نفسها في الساحة الدولية، من خلال المرور بمنطقة الشرق الأوسط، ولكنها (الصين) تدرك أن العلاقات الأمريكية- الخليجية أعمق وأقوى من الحديث عن إحلال قوى دولية بدلاً من الولايات المتحدة، على الأقل في الوقت الحالي.

لا يزال صالحاً للعمل إلى اليوم منطق أن السيطرة على العالم يبدأ من الشرق الأوسط خاصة الجزء الآسيوي منه، وهو التعريف التقليدي للمنطقة قبل أن يأتي تعريف وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس في عهد بوش الابن، الذي ضم معه دول شمال أفريقيا، فدوائر صنع القرارات الاستراتيجية تصر على أن صعود الدول الكبرى إلى الساحة العالمية لا بد أن يمر، من خلال التفاهم مع دول المنطقة، وقد أثبتت التجارب الواقعية هذا الأمر.

منطق أهمية منطقة الشرق الأوسط في التحكم على النفوذ الدولي ممتد منذ القرن الـ18، أي مع بدء عصر الاستعمار الغربي للمنطقة، وبالتالي فرض السيطرة على باقي دول العالم، وكانت بريطانيا أشهر دولة طبقت هذه القاعدة الاستراتيجية، وعرفت بعدها بـ«الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس»، إلى أن فقدت مكانتها بعد خروجها من المنطقة.

وظهور الولايات المتحدة قوة دولية جديدة بعد اللقاء التاريخي، الذي تم بين الملك عبدالعزيز بن سعود مع الرئيس الأمريكي روزفلت في عام 1945 على ظهر السفينة «كوينسي»، فكان بمثابة تدشين للدور الأمريكي العالمي.

الصراعات الدائرة حالياً، وإن كان بعضها «صامتاً» وسيتحول، بلا شك، بعد فترة إلى ضجيج هو من أجل التحضير لنظام عالمي جديد قادم، لكنه لن يكون نظاماً أحادي القطبية، بل التوقع أن يكون «نظاماً متعدداً»؛ لذلك فكل الباحثين عن هذا الدور سواء، الولايات المتحدة أو روسيا، أو الصين أو حتى أوروبا الموحدة، يوسعون مجالاتهم الجغرافية في العالم.

ويركزون بشكل أخص أن تكون دول منطقة الشرق الأوسط، ضمن هذا المجال نظراً لحيوية دورها السياسي وفعاليتها في القضايا الدولية، وفي القلب من ذلك المجال الاستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي، فالكل يزورها، والكل لديه أهدافه الاستراتيجية.

بأي تفسير مهما بلغت بساطته لا يمكن اقتصار زيارة الرئيس الصيني، الذي بدأ عهده الثالث من الحكم وصاحب استراتيجية «طريق الحرير» للسعودية، التي أصبحت هي الأخرى مركزاً رئيسياً لصناعة القرار العربي والإقليمي في الشرق الأوسط.

كما لا يمكن تفسير عقد ثلاث قمم بين الصين ودول المنطقة أنها فقط من أجل البحث عن المصالح الثنائية المشتركة، وإنما الأمر أعمق وأبعد من ذلك، حيث يتمثل في البحث عن التموضع الاستراتيجي للصين في ظل حالة الغموض، الذي يعيشه العالم.

وبما أن لكل عصر نوعه من أدوات البحث عن الدور العالمي؛ فإذا كانت تلك الأدوات في القرون الماضية هي الحروب المباشرة والاحتلال العسكري وفرض الوصايا والانتداب السياسي، فإن الشراكات الاستراتيجية، والقوة الناعمة، والثقل الاقتصادي والثقافي، هي الأدوات الجديدة التي تستخدمها الدول في وقتنا الحاضر لتشكيل تحالفاتها بحثاً عن مصالحها الوطنية، أو على الأقل لتخفيف حجم التداعيات المتوقعة من صراع الكبار.

لهذا فإن منطقة الشرق الأوسط عموماً كانت وستظل هي محل تنافس الدول الكبرى لمحورية موقعها الجغرافي، وإشرافها على الممرات البحرية العالمية، التي تربط الغرب بالشرق وبباقي دول العالم، وكذلك ما تمتلكه من ثروات طبيعية وإمكانات تساعد على السيطرة العالمية والتأثير فيها، ومن هنا تأتي محاولات الباحثين عن النفوذ الدولي إلى منطقتنا، من أجل إعادة صياغة علاقاتها مع دول هذه المنطقة التي تؤكد في كل مرة: أن من يريد السيطرة على العالم لا بد له من التفاهم مع دول هذه المنطقة، لهذا فإن قرار مغادرة الشرق الأوسط باعتبارها لم تعد منطقة مهمة أثبتت فشلها.

الأغلب يتوقع ويتمنى أن يكون «النظام الدولي المنتظر» متعدد الأقطاب وكلما زاد عدد تلك القوى يكون أفضل للدول الأخرى في العالم، لأن ذلك يوفر لها المساحة الكافية في الحركة، وحرية أكبر في خياراتها الاستراتيجية.