عندما وصل الإسلاميون إلى السلطة في إيران بقيادة آية الله الخميني في فبراير عام 1979، طرح قائدهم نفسه مرشداً وإماماً تاريخياً، انتظره الكثير من المسلمين بفارغ الصبر، كالمهدي المنتظر، وأعلن المرشد جمهورية إيران الإسلامية دولة رائدة قائدة تجتذب وتقود كل المسلمين نحو الوحدة والقوة والازدهار، كما لا يزال الإسلاميون جميعاً يعدون أتباعهم. أما اليوم، وبعد سنين طويلة، فإيران تقف على قارعة الطريق وحيدة رغم إعلامها الصاخب والعشرات من محطاتها التلفزيونية والإذاعية وصحافتها فقيرة رغم ما في أرضها وخزائنها من ثروات، معزولة عن معظم دول العالم بسبب سياساتها وتخبطها حتى مع دول الجوار الخليجي والمحيط العربي والإسلامي، ومن يتودد إليها ويتقرب اليها ويسكت عن سياساتها، يفعل ذلك مكرهاً لأغراض مادية أو سياسية.

زالت عن محيا النظام منذ فترة طويلة هالة المجد والقداسة الدينية، وبرزت الملامح المنفرة وغموض السياسات وأعواد المشانق وأسلحة الدمار الشامل والميليشيات وألوان البؤس، بل بهتت ملامح الشعراء أو الأدباء والموسيقيين، وضاع أعلام الفكر ومبدعو الملاحم والقصائد وسط سياسات النظام ومغامراته و«قعقعة» سلاحه، الذي تنقله إلى ساحات المعارك في كل مكان الشاحنات والقطارات والطائرات والسفن.

صحيح أن لدى النظام نحو نصف مليون رجل دين الكثير منهم مجبر لا حيلة له، وأضعاف هؤلاء من رجال الأمن والشرطة والاستخبارات والقمع من «الباسيجيين» و«السباهيين»، والأخطر مهنم أحيانا كثيرة من رجال البوليس السري ممن يرتدون «الملابس العادية»، لينغمسوا في نشاطات غير عادية على الإطلاق! ثورة إيران وجمهوريتها فقدت البراءة السياسية والبريق الثوري «وشرعية 1979»، وباتت دولة قائمة على أسنة الرماح وعلى الدم والحديد والنار، وامتلأت سجونها بالمعارضين، وباتت تقدم بلا تردد على كل الممنوعات، وتتحالف مع كل الأنظمة المعزولة. لا تستطيع إيران أن تفسر للعالم لماذا تقمع بالعنف والسلاح من يعارضها سلمياً، دون عنف أو حمل سلاح؟ والمفاجأة أن المسيرات السلمية مشروعة بموجب مواد الدستور الإيراني الإسلامي نفسه! فمثلاً تقول المادة (27) من الدستور: «يجوز عقد الاجتماعات وتنظيم المسيرات بدون حمل السلاح وبشرط ألا تكون مخلة بالأسس الإسلامية».

ويتسامح الدستور الإيراني فيما يبدو، مع مختلف العقائد والاتجاهات، ويعتبر الناس أحراراً في عقائدهم! فتقول المادة (23) من الدستور: «تمنع محاسبة الناس على عقائدهم ولا يجوز التعرض لأحد أو مؤاخذته لمجرد اعتناقه عقيدة معينة»، وتشير مواد أخرى من الدستور إلى الصحافة والمطبوعات وأنها «حرة»، وتشير إلى «الرسائل والمكالمات الهاتفية والبرقيات والتلكس». وفي نص الدستور في المادة (24) تؤكد أنه «لا يجوز فرض الرقابة عليها». ولو كان «الإنترنت» رائجاً عام 1979 لشملته هذه الحريات الموعودة، التي لم يكن الجميع يشكون أنها «كلام في كلام»، ولكن الكثير من المتحمسين للثورة، أو المتحالفين مع قادة الثورة يومذاك، كانوا يصدقون وربما لا يزال بعضهم، ومن الصعوبة بمكان أن نقتنع بأن آية الله الخميني والمتشددين معه كانوا بهذه الدرجة من الليبرالية والإيمان بحرية الفكر والعقيدة! وربما كان إدراج هذه المواد من اقتراحات «بازركان» أو آخرين.

ولو كان الإسلاميون المصريون أو السوريون قد ظفروا بالحكم عام 2011 خلال «الربيع العربي» فلربما أضافوا مواد دستورية كهذه، وبخاصة إن تأكدوا أنها ستبقى مجرد نصوص دستورية قابلة للتفسير والتأويل وفق ما يناسب «النظام الإسلامي» الذي سيقام. وتزيد اليوم سياسة الإعدامات المتعجلة والانتقامية في إيران عزلتها ومعارضة دول العالم وبخاصة الغربية لها، وترد السلطات الإيرانية بأن من يتم إعدامهم كانوا يحملون السلاح، ولكن هل كانت إيران تسمح يوماً بالمعارضة السلمية والنقد العلني لسياساتها، أو بوصول المعارضة إلى ما يسمى «المجلس» في طهران؟ المعارضة لا يسمح لها حتى بانتخاب رئيس جمهورية مستقل الفكر والتوجه، دع عنك أن يكون مثلا من دين أو مذهب آخر!