سبقت التظاهرات التي أدت إلى الثورة الإيرانية عام 1978 وسقوط نظام الشاه اضطرابات سادت البلاد منذ عام 1963، حيث انطلقت مع ما سمي الثورة البيضاء التي بدأها الشاه محمد رضا بهلوي. وكانت تتضمن سياسات تحديثية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، مست مصالح مراكز القوى في البلاد مثل كبار الإقطاعيين وتجار البازار ورجال الدين، فتشكلت حركة معارضة من مختلف التيارات الدينية واليسارية والقومية.

تجددت حال الغضب والفوضى والاضطرابات في الشوارع عام 1978، وكان قول الشاه للمتظاهرين "بصفتي شاه إيران… سمعت صوت ثورتكم… لا يمكنني إلا أن أسلم بثورتكم"، كان لهذا التصريح بالغ الأثر السلبي على صورة الشاه الذي بدا ضعيفاً ومستسلماً، في حين أعطى المتظاهرين في الشارع إحساساً بالقوة والتمادي مطالبين بإسقاط الشاه والموت له في شعاراتهم المرفوعة. وعلى رغم ما قيل وقتها عن ديكتاتورية الشاه إلا أنه لم يتعامل مع التظاهرات بالقمع والعنف اللذين يتعامل بهما النظام الإيراني الحالي، وهو ما يعكس كيفية نظر النظام الحالي إلى التظاهرات الشعبية مستفيداً مما حدث للشاه.
فلم يعترف النظام الحالي بحقوق ومشروعية مطالب المتظاهرين، إذ وصف المرشد الإيراني علي خامنئي المتظاهرين بـ"المتآمرين" وقال إن هناك مؤامرة أجنبية لتقسيم البلاد، بالتالي ليس هناك اعتراف بحقوق للمواطنين يجب التعاطي معها. كما استمر قمع التظاهرات وسرعة إصدار أحكام الإعدام وتنفيذها بعدد من الأشخاص، كرسالة ردع وتخويف لبقية المتظاهرين والمحتجين في الشوارع. فقد حاولت المؤسسات الأمنية قمع الاضطرابات وقتلت أكثر من 500 متظاهر، بحسب وكالات أنباء ونشطاء حقوق الإنسان. وكان ما يقرب من 70 من القتلى دون عمر 18 سنة، وتم اعتقال أكثر من 18500 شخص وإعدام اثنين، وهناك 11 آخرون ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام فيما يلوح المصير ذاته في الأفق بالنسبة إلى 47 آخرين متهمين بارتكاب جرائم يعاقب عليها بالإعدام.
يمكن القول إن متانة حركة الاحتجاج كانت مفاجئة، قياساً إلى سرعة قيام الحكومة الإيرانية بإخماد التظاهرات في 2009 و2017 و2019. كما أن حركة احتجاج إيرانية عمرها ثلاثة أشهر تمثل دافعاً للتغيير من شأنه أن يتحدى أسس النظام الإيراني، لا سيما مع رفع شعارات مطالبة بتغيير النظام و"الموت للديكتاتور".

فهناك جيل جديد من الشباب الذين خاب أملهم من الحكم الديني والمتعطشين لحياة طبيعية في خضم صراع يبدو أنه لم يردعه القمع والسجن والإعدامات. ولعل ما ميز الاضطرابات المتواصلة عن الاحتجاجات السابقة هو استمرارها على رغم غياب القيادة المنظمة. وقد يسهم وجود قيادة للتظاهرات الحالية في تهديد بقاء النظام وسيمنحها قوة أكبر على غرار الاضطرابات التي سبقت سقوط الشاه.
إن ما حدث قبيل سقوط نظام الشاه من تظاهرات وفوضى يثبت أن الإضراب العام والعمل الجماهيري في الشوارع يمكن أن يؤديا إلى ثورة ناجحة، بحيث تتطور ثقافات الاحتجاج وتتكيف مع التحولات في التسلسل الهرمي الاجتماعي وظهور تقنيات جديدة.
وكما حدث خلال السنوات التي سبقت الثورة الإسلامية عام 1979، حين أنتجت سياسات محمد رضا بهلوي "التغريبية" ائتلافاً من المتظاهرين، فظهرت طبقة كبيرة من المتعلمين والطلاب وطبقة مسيسة من فقراء الحضر، ساعدت وتأثرت بشبكة المساجد ووفرت العمود الفقري لسياسة جماهيرية جديدة، تشكل الاحتجاجات الحالية ائتلافاً كبيراً من مختلف الفئات والطبقات من الحضر والأرياف قوامها نساء وشباب يافعون، مع تصاعد استخدام مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، إذ نما عدد مستخدمي الإنترنت في إيران من 27.9 مليون شخص إلى 71.94 مليون.

ويمكن أن تمثل الاحتجاجات تهديداً وجودياً للنظام، في حال انضمت إليها مختلف الفئات الشعبية، لا سيما التجار المتضررين من استيلاء "الحرس الثوري" على المصالح الاقتصادية. وفي حال حدث انشقاق داخل المؤسسات الأمنية وتزايدت الاستقالات بسرعة في ما يشبه لعبة الدومينو، سيسرع ذلك من هبوط المؤسسة الحاكمة، فضلاً عن ظهور رؤى بديلة لحكم ولاية الفقيه القائم. لكن طالما استمرت الحال كما هي عليه بتبادل الأدوار بين ما يسمى الإصلاحيين والمتشددين، والفريقان مؤمنان بولاية الفقيه، فلن يتغير النظام.
إن التظاهرات الحالية قد تمثل تحدياً لأسس "الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، لكنها لا تمثل تهديداً مباشراً للحكومة في طهران، لا سيما إذا تمكنت من إخمادها، لكن تراكم الحركة الاحتجاجية وتطويرها من مرحلة إلى أخرى سيعطي زخماً لكتلة شعبية يمكنها الخروج في أي وقت والاستمرار طويلاً في الشارع، مما ينهك النظام ويضغط عليه.