تزداد أوضاع المرأة الأفغانية صعوبة منذ عودة حركة طالبان إلى الحكم، حيث فقدت الكثير من المكتسبات التي حققتها خلال عشرين عامًا منذ الاجتياح الأمريكي عام 2001 وحتى سيطرة التنظيم المتطرف مجددًا على أفغانستان والذي مرت ذكراه السنوية الأولى في أغسطس الماضي.

وعلى عقدين من التدخل العسكري الذي قادته الولايات المتحدة في أفغانستان، حققت النساء والفتيات مكاسب وإن كانت هامشية في الدولة التي تعد ذكورية إلى حد بعيد. إذ فرضت قيودًا على النساء والفتيات تتوافق مع تفسيرها المتشدد للشريعة الإسلامية. وصار ممنوعًا على المراهقات متابعة تعليمهن في المدارس الثانوية، كما أجبرت الموظفات الحكوميات على ترك أعمالهن. كذلك منعت النساء من السفر بمفردهن.

وينقل موقع «فرنس 24» عن فكتوريا فوتان، نائبة رئيس الجامعة الأمريكية الأفغانية والمكلفة بالشؤون الأكاديمية بكابول، أن «وضع النساء في أفغانستان لم يتغير سواء كان ذلك خلال الحكم الأول لطالبان الذي أمتد من 1996 إلى 2001 أو في الوقت الحاضر». وقالت: «علامات الانفتاح التي أظهرتها طالبان منذ عودتها إلى السلطة كان هدفها هو تسويق صورة إيجابية عن نفسها في الخارج. فهي تريد الظهور بوجه الحداثة والتقدم، لكن في الحقيقة هدف هذه الإستراتيجية هو أن تعترف الدول الغربية بنظامهم».

إن قرار طالبان بإغلاق الجامعات أمام الطالبات في جميع أنحاء أفغانستان حتى إشعار آخر هو استمرار «للسياسات المنهجية للتمييز المستهدف التي تطبقها حركة طالبان ضد المرأة». وفي ردود الفعل الدولية على القرار أشار بيان بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان (يوناما) إلى إن منع نصف السكان من المساهمة بشكل هادف في المجتمع والاقتصاد سيكون له تأثير مدمر على البلد بأكمله. وسيعرض أفغانستان لمزيد من العزلة الدولية والصعوبات الاقتصادية والمعاناة، مما يؤثر على الملايين لسنوات قادمة. وذكر البيان: «إن الأمم المتحدة في أفعانستان وشركائها في المجال الإنساني يذكرون طالبان بأن حرمان المرأة من إرادتها الحرة في اختيار مصيرها، وإقصائها بشكل منهجي من جميع جوانب الحياة العامة والسياسية أمران رجعيان ويتعارضان مع المعايير العالمية لحقوق الإنسان التي تقوم عليها المجتمعات المسالمة والمستقرة».

في حين اعتبرت دول غربية ومنظمات أممية هذا القرار المتشدد تضيقا على حرية النساء ومنعًا لحقهن الأساسي في التعليم. من جهته، وصف مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، قرار طالبان بمنع النساء من الالتحاق بالجامعات، بأنه «ضربة مروعة وقاسية أخرى لحقوق النساء والفتيات الأفغانيات ونكسة مؤسفة للغاية للبلد باكمله. إن استبعاد النساء من التعليم العالي هو أمر مفجع للغاية بالنظر إلى المساهمة الحيوية التي قدمتها النساء الأفغانيات في العديد من المجالات المهنية والاحترافية على مر السنين.

بعد أن تم منع الفتيات من الالتحاق بالمدارس الثانوية، تخيلوا عدد الطبيبات والمحاميات والمعلمات اللواتي فقدن واللواتي سيفقدن في مسار تنمية البلاد». أبدت إيران «أسفها» لقرار طالبان منع الأفغانيات من ارتياد الجامعات، آملة في أن تتم «إزالة العقبات» أمام ذلك بسرعة، بينما تتبنى هي ذاتها إجراءات متشددة وتفرض قيودًا صارمة على النساء وتراقب سلوكهن في الشارع ونمط لباسهن إلى درجة أنها استحدثت في السنوات الماضية جهازًا امنيًا تحت مسمى «الشرطة الأخلاقية» وهو الجهاز الذي تسبب في وفاة الشابة الكردية الايرانية مهسا أميني والتي فجرت وفاتها احتجاجات منذ سبتمبر الماضي لاتزال مستمرة حتى الٱن. لم تكتفِ طالبان بحظر التعليم الجامعي على النساء والفتيات، بل منعت النساء من العمل في المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية.

وفي خطاب رسمي، أعلنت وزارة الاقتصاد بحكومة الحركة الأفغانية إصدار أمرًا لكافة المنظمات المحلية والأجنبية غير الحكومية بعدم السماح للنساء بالقدوم للعمل. كما أكد المتحدث باسم وزارة الاقتصاد أن النساء ممنوعات من الذهاب إلى العمل حتى إشعار آخر لعدم التزام بعضهن بقواعد الزي التي تحددها الحكومة لهن.

وبحسب هذا القرار الصادر عن وزير الاقتصاد في نظام طالبان، فإن جميع المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية مطالبة بفصل موظفاتها على الفور. تقدر الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة أن أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 38 مليون نسمة يحتاجون إلى مساعدات إنسانية خلال فصل الشتاء القاسي. وتعمل عشرات المنظمات في المناطق النائية من أفعانستان والعديد من موظفيها نساء.

وصرح مسؤول كبير في منظمة غير حكومية أن «منع عمل النساء سيؤثر في جميع جوانب العمل الإنساني، إذ تشغل الموظفات مناصب رئيسة في المشاريع التي تستهدف الفئات الضعيفة من النساء في البلاد».

تؤكد المواثيق والعهود الدولية على أهمية حصول النساء والفتيات من جميع الأعمار على التعليم الجيد والاستفادة الكاملة وعلى قدم المساواة لاعتبارها ضرورة لتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وهي تمثل أيضا ضرورة أقتصادية، وتسلح المرأة بما يلزم من المعرفة والقدرة والطاقات والمهارات والقيم الأخلاقية، والعمل، والتمتع بصحة بدنية وعقلية أفضل. إلا أن الوقائع في أفغانستان تؤكد عكس ذلك.

في دراسة للباحث علاء الدين الخطيب عنوانها «المرأة ضحية تاريخية للنظام السلطوي والتقاليد وأحكام الفقه الإسلامي»، يذكر ما زلت المرأة في المجتمعات البشرية تعاني من التمييز ضدها، سواء على مستوى القوانين مثل الدول العربية والأسلامية، أو على مستوى الممارسة العملية. فحتى في الدول الأوروبية التي يفترص نظريا أنها الأسبق في هذا المجال، ما زالت المرأة لم تحصل على حقوقها وفرصها كاملة في الممارسة العملية، لكن بالمقارنة النسبية بين الدول، تحظى المرأة بأفضل حال في الدول الأوروبية، عند مقارنتها مع دول أخرى. ويصبح الحال أسوأ من حيث التمييز بين الرجل والمرأة عند الانتقال للدول الأفقر والأقل ديمقراطية. يزداد وضع المرأة سوءًا عند الانتقال إلى الدول الديكتاتورية والدول المحافظة التي ما زال يحكم مجتمعاتها مع السلطة السياسية سلطة دينية كهنوتية أو سلطة قبلية وطائفية كما هو حاصل في أغلب الدول العربية والإسلامية والدول الإفريقية. أما أسوأ أوضاع واجهتها المرأة من حيث الحقوق فقد حصل في الدول التي تعرضت لحروب داخلية وفوضى سياسية مثل أفغانستان وسوريا والعراق واليمن وليبيا والعديد من الدول الإفريقية، فالمرأة دفعت الثمن في هذه الحالات.

في مقال سابق أشرنا إلى أن نضال النساء الأفغانيات من أجل حقوقهن حقق نجاحات مهمة، حيث تمتعن بقدر من الحرية، ولكن عودة طالبان مرة أخرى للسيطرة على مقاليد الحكم، أجتاحت موجة من الهلع حول مصير تلك الإنجازات الخاصة بوضع المرأة. إن حركة طالبان تربط موقفها من المرأة بالعقيدة الإسلامية، حيث يزعم التنظيم المتطرف إنه يطبق الشريعة الإسلامية، وحقيقة الأمر إن الحركة تطبق (العقيدة الطالبانية) وليس الإسلامية، ففي المدرسة التي تديرها، يتعلم الطلاب الدور الإسلامي المناسب للمرأة، وفقًا لتفسير طالبان والذي يقتصر بشكل كبير على أدائها للواجبات المنزلية، وعلى الرغم من أن طالبان تدعي باستمرار أنها تعمل لصالح المرأة إلا أن الحقيقة هي أن هذا النظام حرم النساء والفتيات من حقوقهن التي أقرتها الشريعة الإسلامية.

وفي أثناء حكم طالبان من عام (1996 إلى عام 2001) امتلكت أفغانستان أسوأ سجل في مجال حقوق الإنسان في العالم، حيث حرمت المواطنين من أبسط حقوقهم، وفرضت قواعــد صارمة على النساء كما واجهن عقوبات قاسية مثل السجن والتعذيب حتى الموت بدعوى انتهاك «قوانين الشريعة الإسلامية»، أي كانـــت النساء تجلد علنًا وتعدم إذا لم يتبعن القواعد المتطرفة التي تفرضها طالبان.