أميركا هي أعظم دولة بالعالم سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً، ولبنان دولة فاشلة ضمن عدد من الدول في العالم، والمقارنة بمجملها غير واقعية، وغير ممكنة، ولا تستقيم مع الحقائق، ولكنها في جزء منها قد تبدو معقولة، ويمكن تقبلها، والقبول بها.

**

فها هو مجلس النواب الأميركي يفشل على مدى أربع عشرة جلسة في اختيار رئيس له، ففي كل دورة من الـ 14 جلسة فشل مرشح الأغلبية الجمهوري كيفين مكارثي في تأمين الأصوات اللازمة لتمكينه من الفوز برئاسة مجلس النواب قبل أن يأتيه الفرح في الدورة الـ15.

**

وهذا الفشل في الـ14 دورة ينم عن خلافات بين أعضاء الحزب الجمهوري الذي يتمتع بالأغلبية في عدد نواب المجلس منذ الانتخابات النصفية، ما يعني أن عدداً من المشرعين من الجمهوريين المتشددين كانوا يمنعون وصول مكارثي إلى الرئاسة بعدم إعطائهم أصواتهم له لخلافة نانسي بيلوسي، رغم أنهم في حزب واحد، ومع علمهم بأن هذا قد يمتد في تأثيره حتى على انتخاب رئيس الجمهورية من الحزب الجمهوري بعد عامين من الآن.

**

وفشل الـ14جولة من التصويت حدث للمرة الأولى منذ مائة عام، وتحديداً في عام 1923م، كما أنه لم يتم انتخاب رئيس للمجلس إلا بعد شهرين و133 دورة اقتراع في العام 1825م غير أن ما حدث في الماضي قد يكون مقبولاً نسبة لمناخ الانتخابات آنذاك، وما كان من ظروف وتحديات.

**

ومثل هذا الانشقاق الذي عانى منه الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأميركية خلال الـ14 جولة، هناك ما يماثله في مجلس النواب اللبناني، فلازالت الاجتماعات تتوالى للاقتراع لتسمية رئيس للجمهورية دون أن ينجح النواب اللبنانيون في تمكين النائب ميشال معوض من الحصول على الأصوات الكافية ليكون رئيساً للجمهورية خلفاً لميشيل عون، وإحجام حزب الله وغيره في تسمية مرشحيهم حتى الآن ضمن المناورات السياسية والحزبية.

**

أي أن هناك شيئاً من التشابه، في مابينهما، فقد كان بعض أعضاء الحزب الجمهوري يحول دون ترشيح مكارثي لرئاسة مجلس النواب الأميركي, وفي لبنان يستخدم النواب الموالون لحزب الله الورقة البيضاء لكي لا يحصل معوض على الأصوات التي تزفه إلى قصر بعبدا، لأن على من يُرشّح للرئاسة عليه أن يكون ملتزماً وموثوقاً في دعمه لسياسة حزب الله وهو ما لن يتم حتى الآن.

**

لكن في الجولة الـ15 من الانتخابات الأميركية, نجح الناخبون أخيراً في إعطاء كيفين مكارثي من الأصوات ما زفته إلى رئاسة مجلس النواب، فيما لازال اللبنانيون يتحدثون عن الحوار غير المقبول إلا (من حزب الله وأمل) تمهيداً لإعادة الاقتراع لانتخاب رئيس للجمهورية، وهي خطة الثنائي الشيعي لاستمرار النزاع، وعدم انتظام عمل المؤسسات، وخاصة مجلس الوزراء.

**

وإذا كان مجلس النواب الأميركي قد عالج مشكلته من النفق الضيق، وربما كان للتنازلات والوعود التي أعطاها الرئيس المنتخب للمعارضين المتشددين، فإن حل الأزمة في لبنان لن يتم ما لم يكن الرئيس المرشح للجمهورية بمواصفات الرئيس ميشيل عون، الذي نفّذ ما التزم به لحزب الله، فظل صديقاً وفياً لإيران، ولنظام بشار الأسد، داعماً لميليشيات حزب الله، ومتناغماً مع حسن نصر الله في التغطية على جريمة المرفأ، ومنع إجراء أي تحقيق مستقل لمعرفة من وراء هذه الجريمة.

**

صحيح أن حزب الله يسيطر على القرار اللبناني منذ العام 2005م، ولكن في عهد عون سلم (الخيط والمخيط) لحزب الله، وبأكثر مما كان قبل أن يكون رئيساً للبنان، فانهارت الليرة، وتفشى الفساد، وأصبحت البلاد تعاني من نقص في الكهرباء, والماء, والدواء، ومن البطالة وارتفاع تكلفة المعيشة، بينما وصل خط الفقر إلى 80% بين المواطنين، وعون يقول إن لبنان ذاهب إلى الجحيم-.

**

مع هذا, فهناك تشابه في التطورات التي كان يمر بها مجلس النواب الأميركي قبل أن ينجح في اختياره لرئيسه، بينما لازال يعاني منها مجلس النواب اللبناني، وهو أمر مثير للانتباه، مستغرب في أميركا، طبيعي في لبنان الجريح.