خلال زيارة عمل إلى الصين ولكسر ملل الانتظار وسط طوابير المركبات، كنت أتبادل الحديث مع سائق السيارة عن مواضيع اجتماعية يتقاطع فيها العرب مع الأمة الصينية مثل التراث الحضاري والثقافي والاجتماعي حتى رعاية كبار السن والمحافظة على نسيج الأسرة والقرابة، وجرى الحديث إلى تساؤل لطيف عن التشابه العميق في الملامح الظاهرة والطول واللون... إلخ، لكنه نظر لي بابتسامة وقال بعربية مكسرة: "نحن أيضا نتساءل عن الشبه المتساوي بين العرب"، فذهلت من تساؤله، لكني أوضحت له مدى اختلافنا لونا وطولا وتنوعا في الملامح الذي نراه ظاهرا، أو بالأحرى ما كنا نعتقد أننا نراه فكان رده أكثر غرابة من الأول قال لي، "نحن لا نراكم إلا بصورة واحدة".

هذا الموقف طرح أمامي تساؤلا جدليا هل بالفعل نحن نرى اختلافا لا يراه الآخر، أم أن هناك ما هو أعقد من هذا التفسير؟ بحثت عن هذا الموضوع مرارا لعلني أجد إجابة شافية، ووقعت على نزر من الدراسات تشير إلى ميل البشر لتمييز وجوه الأشخاص الذين ينتمون إلى العرق نفسه من دون تمييز لوجوه الأفراد الذين ينتمون لأعراق أخرى، ويسمى تأثير العرق الآخر، ويرجح علماء الأنثروبولوجيا أن رؤية الفروقات راجع إلى عجز يصيب الجهاز العصبي بسبب المعايشة، ويؤيد هذا القول عالمة الاجتماع الأمريكية كاثرين بليس وتقول: "إن فكرة تشابه الأشخاص هو افتراض كبير وشائع"، ويذهب علماء آخرون إلى أن الفروقات العرقية هي في الواقع اختلافات ثقافية ولغوية ليس إلا.

ومؤدى كلام العلماء أن قدرتنا على التمييز بين وجوه الناس تحكمه عدة عوامل وراثية واجتماعية وأنثروبولوجية فلو قدر لأحدنا العيش مدة طويلة في الصين لاستطاع التفريق والتمييز بين أعراقهم، بينما تؤثر العناصر الوراثية في دقة التركيز والإدراك العميق، أو ما يطلق عليه الفراسة لأن المتفرس في الوجوه لديه قدرة عالية على التمييز، وهذا موضوع كبير يحتاج إلى مقالة أخرى لعلها نستعرضها في وقت لاحق. الخلاصة، إن نظرتك تجاه الآخرين وما تعتقده فيهم وما تظنه عنهم هي ذاتها النظرة التي ينظرون بها إليك فلا تعتقد أنك تملك كل الحقيقة.