في كتابه «الهند: القوة العظمى الأخيرة» يختتم السفير الياباني هيروشي هيراباياشي مؤلفه بنصائح لأبناء بلده والأمم الأخرى - بناءً على تجاربه الشخصية - حول أفضل السبل للتعامل مع الهند خلال صعودها إلى مكانة القوة العظمى بالقرن الحادي والعشرين، بدعوتهم إلى الانتباه إلى العناصر الستة: المنتَج، السعر، المكان، الشخص (الشريك)، الشغف، والصبر..

من متغيرات هذا العام الجديد أن أكبر دولة في العالم في عدد السكان لن تكون الصين بل الهند، فالأولى سبق أن وصلت لذروة العدد وستبدأ في الانخفاض بينما الهند لا زالت تنمو سكانياً. ماذا يعني ذلك؟ هذا له تأثير كبير من الناحية الرمزية لكن الأهم هو من ناحية التركيبة السكانية أو الهيكل العمري لا سيما حجم الفئة العمرية العاملة، فالهند لديها الآن أكبر فئة عمرية عاملة في العالم، وبحلول عام 2026، سيكون متوسط عمر الهند 29 عاماً وهو الأقل في المتوسط العالمي حسب صندوق النقد الدولي.. هذا قد يؤدي إلى ما يعرف بالعائد الديموغرافي.

العائد الديمغرافي، كما حدده صندوق الأمم المتحدة للسكان، هو «إمكانات النمو الاقتصادي التي يمكن أن تنتج عن التحولات في الهيكل العمري للسكان، خاصة عندما تكون حصة السكان في سن العمل (15 إلى 64) أكبر من نسبة السكان خارج سن العمل (14 وأصغر و65 وما فوق)». بعبارة أخرى، «زيادة في الإنتاجية الاقتصادية تحدث عندما يكون هناك عدد متزايد من العاملين بالنسبة لعدد المعالين».

وذكر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن «أي بلد به أعداد متزايدة من الشباب وتنخفض فيه معدلات الخصوبة لديه القدرة على جني عائد ديموغرافي». خذ مثالاً الصين من عام 1979 بدأت في سياسة الطفل الواحد وكانت الفئة العمرية العاملة في قمتها.. الحالة الهندية بدأت متأخرة بنحو ثلاثين عاماً، والمتوقع استمرارها إلى حوالي 2050، وسيكون النمو الأكبر في العقد القادم.. السؤال، هل ستستثمر الهند هذه الحالة اقتصادياً؟ من الناحية النظرية فإنه كلما زادت نسبة العاملين من إجمالي السكان كلما زادت الإنتاجية، لأن المزيد من الناس لديهم القدرة على أن يكونوا منتجين ويساهمون في نمو الاقتصاد. ولكن في الهند هناك تحديات في طريق النجاح لاستثمار تلك الحالة حسب تقرير الإيكونيميست..

على رأس هذه التحديات هو أن حوالي 90 % من الوظائف غير رسمية، مما يعني أن غالبية العاملين لا يحصلون على رواتب منتظمة. تقول البروفيسورة سونالد ديزي (مركز البحوث الاقتصادية، نيودلهي): إن العاملين في قطاع الأعمال غير الرسمية هم فعلاً ذوو كفاءة إنتاجية، لكن المشكلة أن وظائف هذا القطاع غير آمنة، فعندما تحصل أشياء مثل جائحة كورونا، سيجدون أنفسهم فجأة خارج القوة العاملة. لذا، تحاول الحكومة الهندية إنشاء نظام تقاعد وطني، ونظام تأمين صحي وهكذا، ولكن التأمينات الاجتماعية محدودة لدى العديد من هؤلاء العاملين.

وتطرح ديزي مشكلة أخرى، وهي أن فقط 20 % من النساء اللواتي في سن العمل يعملن فعلاً، وجزء من هذه المشكلة هو أن البنات يتعلمن في المدارس بما لا يكفي للعمل المكتبي الرسمي. ومن هنا، فالنساء ذوات التعليم المتوسط من الصعب عليهن الحصول على عمل، بينما بالنسبة للرجال وبنفس مستوى التعليم فهناك العديد من الأعمال لهم مثل قيادة الشاحنات وإصلاح الجوالات وتوصيل البريد.. الكثير من الأعمال ليس متاحاً للنساء.

جزء من النمو الاقتصادي السريع في الصين يعود إلى مصانع الشركات الأجنبية التي تأسست فيها. لذا، تحاول الحكومة الهندية احتذاء هذا النموذج من خلال حملة «صنع في الهند» لجذب الاستثمار الأجنبي، والتي حققت بعض النجاح. على سبيل المثال، فإن أحد كبار الداعمين لقطاع الصناعة في الهند هي شركة أبل التي تقول إن لها خططاً لإنتاج آيفون 14 في الهند (نك هاربر). المشكلة التي تواجه جذب الاستثمار الأجنبي في الهند هو البنية التحتية للبلد، وحالة القوة العاملة. نسبة قليلة من القوة العاملة لديها تدريب مهني منهجي، وهي تشكل حوالي 3 %، ولا زالت هناك نسبة عالية من سوء التغذية والأنيميا وإشكالات صحية أخرى، مما يعني أن هناك نسبة كبيرة من السكان تدخل سوق العمل ولديها ضعف معرفياً وجسدياً. التحدي الأكبر للحكومة الهندية هو خلق بيئة عمل تشجع قطاع الأعمال المحلي والأجنبي لخلق الوظائف ومن ثم جني ثمار أن تكون أكبر عدد سكان في العالم.

في كتابه يصف هيراباياشي الهند بأنها «مهد لإحدى الحضارات الأربع الكبرى.. وتشبه الفيل، نظراً لحجم البلاد الضخمة بقوة هائلة، على الرغم من أنها تتحرك ببطء».. ونظراً لأن الهند «بلد الحالات القصوى» والفروق الدقيقة، ينصح المؤلف «بإيلاء اهتمام إضافي» لفهمها بشكل أفضل؛ ورغم أن مناخ الاستثمار فيها يعاني من مشاكل مثل: «الطرق السيئة، وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر، والمياه غير النظيفة، ورداءة أنظمة الصرف الصحي ..إلخ. إلا أن هيراباياشي يتوقع أن تنضم الهند قريباً إلى نادي القوى العظمى مع أمريكا والصين وروسيا، مما سيشكل أهمية متزايدة للهند على المسرح العالمي لتلعب دوراً ريادياً في السياسة الدولية..