التونسيون في سباق على من يمثل روح الثورة التي أسقطت نظام زين العابدين بن علي قبل 12 عاماً. هناك صدام محتدم بين مسار "التصحيح" الذي يقول به الرئيس قيس سعيّد، والمعارضة التي كانت في الحكم حتى عام 2019.
وبدأت الأمور تتغير منذ تعليق الرئيس عمل البرلمان في 25 تموز (يوليو) 2021، والحكم بمراسيم تصدر عن الرئاسة، وحتى إقرار دستور جديد وإجراء انتخابات نيابية الشهر الماضي.
الخلاف بين سعيّد والمعارضة يمتد ليشمل موعد "عيد الثورة". الرئيس ارتأى جعله في 17 كانون الأول (ديسمبر) يوم أحرق الشاب محمد البوعزيزي نفسه في مدينة سيدي بوزيد احتجاجاً على رفض الشرطة السماح له ببيع الخضر على عربته. أما المعارضة فتعتبر أن "عيد الثورة" هو في 14 كانون الثاني (يناير) تاريخ مغادرة بن علي البلاد.
وأهم ورقة تلعبها المعارضة اليوم في وجه سعيّد هي الوضع المعيشي الصعب. وهي تعتبر أن هذا رهان رابح، سيحمل الناس على الوقوف في مواجهة النظام. وبالفعل فإن كثيرين ممن كانوا يدعمون الإجراءات التي اتخذها سعيّد في 2021، يشعرون بخيبة أمل اليوم بسبب أوضاعهم المعيشية، بعد ارتفاع التضخم إلى نسبة تفوق عشرة في المئة. ما تفعله حركة النهضة المنبثقة من "الإخوان المسلمين" هي استغلال الحالة الاقتصادية السيئة للتصويب على سعيّد.
وفي بلد تفوق فيه المديونية نحو 34 مليار دولار، أي أكثر من 80 في المئة من إجمالي الناتج العام، تزداد الضغوط على سعيّد أكثر فأكثر، في ظل الشروط القاسية التي فرضها صندوق النقد كي يمنح تونس قرضاً جديداً بملياري دولار. ورغم قبول الحكومة بشروط الصندوق، فإن الأخير أرجأ الموافقة النهائية على القرض إلى أجل غير مسمى.
الوضع الاقتصادي هو مادة للتراشق بين سعيّد والمعارضة. الرئيس يقول إن الوضع الاقتصادي الصعب هو بسبب ممارسات المعارضة، ويذكّر بأن الحكومات التي سبقت توليه الرئاسة عام 2019، هي التي راكمت الديون على البلاد، لأنها أخفقت في الحكم وأمضت الجزء الأكبر من هذه السنوات في نقاشات لا طائل منها، وشهدت تغيير أكثر من 13 حكومة. ويطلق سعيّد على هذه السنوات التي كانت حركة "النهضة" هي التي تتصدر المشهد السياسي خلالها "العشرية السوداء".
واجه سعيّد انتكاسة سياسية في المسار الذي انتهجه مع ضعف الإقبال على صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية. تلك إحدى الثغرات التي تنتهزها "جبهة الخلاص" التي تقودها حركة "النهضة" ضد الرئيس. لكن ذلك لم يمنع الحكومة من المضي في إجراء الدورة الثانية في 29 كانون الثاني الجاري. وعلى الأقل كانت لدى الحكومة الجرأة لتعلن أن نسبة الإقبال بلغت فقط 11 في المئة، وهي الأدنى منذ بدء إجراء الانتخابات الحرة بعد 2011، ولم تلجأ إلى الإعلان عن نسبة أعلى.
ما يحسب لسعيّد أنه يسمح لأحزاب المعارضة التي تنتقده وتدعو إلى إسقاطه، بالتظاهر وبالتعبير عن آرائها بكل حرية. ولا تضييق على الحريات حتى الآن بالمعنى الواسع.
ويظهر الاتحاد العام للشغل، أكبر قوة نقابية في البلاد، كقوة وسطية بين سعيّد والمعارضة. ويدعو الاتحاد إلى الحوار ولا يجاري الداعين إلى رحيل سعيّد. ويمكن التعويل على دور أكبر للاتحاد في تهدئة النفوس والتأسيس لعملية حوار بين السلطة والمعارضة، يكون الهدف منها إنقاذ تونس والحؤول دون انزلاق الأمور إلى ما هو أسوأ.
وبديهي أن تتردد الدول الخارجية في مد يد العون لتونس، إذا تعمقت الانقسامات واتجهت البلاد إلى مرحلة من عدم الاستقرار.
والغرب الذي كان يشيد بالثورة التونسية ويعتبرها قصة نجاح، يترك تونس تواجه أشد أزمة اقتصادية يمكن أن تجعل كل شيء ينهار، وتقذف البلاد إلى مسارات تتغذى عليها القوى المتطرفة التي تتوسل العنف، ولا تقيم أي وزن للحرية والديموقراطية.
ويبقى الخصم الأقوى لسعيّد هو التردي الاقتصادي.
- آخر تحديث :
التعليقات