في كلِّ قصةِ نجاح تقع في بقعة من هذا العالم، ابحث عن ثلاثة عناوين كبرى: التربية والثقافة والعلوم، فهي بداية الانطلاقة نحو الازدهار والتقدم في عالم مليء بالمتغيرات السريعة والتحديات المتعاقبة. وبـ«الثلاثي الجوهري»، تكتبُ الأممُ مستقبلَها، منطلقةً من ماضيها ومتلائمةً مع حاضرها، مشيّدةً مزيداً من جسور التبادل المعرفي والثقافي ومؤسّسةً للحوار والسلام كضرورةٍ حتميةٍ في الحضارة البشرية.

ومنذ 77 عاماً، أدرك العالمُ، المرهقُ من الحروبِ وآثارِها المدمرة، إنسانياً وثقافياً ومعرفياً، أهميةَ التركيز على العناوين الثلاثة، وشارك المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن - طيَّب الله ثراه - مع 19 قائداً حول العالم في تأسيس أولى ثمراتِ هذا اليقين، حيث كانت المملكةُ واحدةً من عشرين دولةً اجتمعت في لندن لتأسيس منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) عام 1946، ومن تلك المرحلة التاريخية.
حضرت الثقافةُ والتربيةُ والعلوم عناوينَ رئيسية في قصص نجاح الدول وتقدّمِها، فتأثيرُها، مجتمعة، لا ينحصر على التفاصيل المحلية للأمم فحسب، بل يمتدُّ ليشمل الشعوبَ الأخرى، ليصبحَ العالمُ مكاناً أكثرَ استقراراً وتقدماً وازدهاراً.
وتُثبتُ التجاربُ أنَّ هذه العناوينَ الكبرى تحدّد بشكلٍ جليٍّ مسارَ التفوق الذي تسلكه الأمم، شريطةَ أن تكونَ تحت رؤيةٍ استراتيجيةٍ عميقة، تجتمعُ فيها المشتركات، وأن تكونَ المرونةُ حاضرةً لملاءمةِ خصوصيةِ كل مجتمعٍ وتقاليده وثقافته.
وفي اعتقادي أنَّ المواضيعَ الكبرى الثلاثة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتنميةِ المستدامة وتعزيزِ التطور الاجتماعي والمعرفي، وأنَّها مجتمعةً تسهم في تحسين جودة الحياةِ وتعزيز مكتسبات الأمم على كل الأصعدة، ومن بينها الصعيدان الاقتصاديُّ والاجتماعيُّ؛ ولذلك كانت المملكة العربية السعودية منذ عهد الملك المؤسس - طيب الله ثراه - تولي اهتماماً بالغاً بالثقافة والتربية والعلوم، إلا أنَّه في الوقتِ الراهن، أخذت العناوينُ الثلاثة زخماً كبيراً ودعماً غيرَ مسبوقٍ من قيادتنا الحكيمة، وأضحتْ عنصراً رئيسياً في رؤية المملكة الطموح للمستقبل، (رؤية السعودية 2030)، بقيادة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء - حفظه الله، حيث خصصت برامج خاصة ونوعية كونها عماد التنمية.
ولأنَّ توجيهاتِ ولي العهد، كانت دوماً تشير إلى مشاركة العالم وتحفيزه للبناء من أجل الغد، وانطلاقاً من سعي المملكة المستمر نحو تمكين التعاون والعمل المشترك دولياً في مختلف القضايا، جاءَ طلبُ المنظمةِ العربيةِ للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) لتنظيم مؤتمر «مستقبل منظمات التربية والثقافة والعلوم في القرن الحادي والعشرين»، تحت شعار «معاً نحو التغيير في القرن الحادي والعشرين»، بالشراكة مع اللجنة الوطنية السعودية للتربية والثقافة والعلوم.
إنَّ دعمَ الجهود الإقليمية والدولية كافةً لتعزيز التربية والثقافة والعلوم، ضرورةٌ حتميةٌ لازدهار العالم، فمتى ما تكاتفت الجهود، وصلنا إلى عالم أفضلَ ممَّا نتخيَّل من خلالِ التنسيقِ وتبادل الرؤى والتعاون الاستراتيجي.
ومع مشاركة جميع المعنيين في الحدث الأول من نوعه الذي يجمعُ المنظماتِ المعنيةَ في الرياض، نتطلَّع للإسهام جميعاً في النقاش المثري، ليسهم في بلورة صورة تعزّز من قوة حضور التربية والثقافة والعلوم، ليكونَ لبنةً قويةً في البناء لمستقبل أجيالنا، ولنكون أكثرَ قوةً في تسليم الرايةِ لجيل أكثرَ إبداعاً وأكثرَ تفوقاً وأصدقَ إنجازاً.
وتؤكد المملكة من خلال مؤتمر «مستقبل منظمات التربية والثقافة والعلوم في القرن الحادي والعشرين»، أهميةَ الحوار والتخطيط الاستراتيجي والنقاشات المتواصلة، وتبادل الأفكار والرؤى في المواضيع الثلاثة الكبرى، لنواكب التطورات ولتكنْ ثقافاتُنا مكوناً يندمج مع مختلف هذه التطورات لنسلّح أجيالَنا بها، في هذا العمل الحضاري الذي يفتح الآفاق للبشرية جمعاء.
وفي الختام، أدعو المنظمات حول العالم لمشاركتِنا هذا الحدث، وصناعة بداية القصةِ لتضافر الجهود، وبناء المستقبل للإنسان والعالم أجمع، لأنَّنا في المملكة العربية السعودية تعلَّمنا أن نجمعَ الكلَّ لتطوير أكبر، وغدٍ أكثرَ إشراقاً لمنظورٍ يحملُ للجميع الخيرَ والسلامَ والمحبة.