تساهم اللغة في رسم هوية الشعوب، وتُعدُّ اللغة العربية ركنًا من أركان التنوع الثقافي للبشرية. وهي إحدى اللغات الأكثر انتشارًا واستخدامًا في العالم، ويتكلمها يوميًّا ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان العالم، اللغة العربية لها قدسية؛ لأنها لغة القرآن ولا يصح الأذان ولا الصلاة إلا بإتقان كلماتها، وفي إطار دعم وتعزيز تعدّد اللغات وتعدّد الثقافات في الأمم المتحدة، اعتمدت إدارة الأمم المتحدة للتواصل العالمي الاحتفال باللغة العربية في 18 ديسمبر، ويهدف هذا اليوم إلى إذكاء الوعي بتاريخ اللغة وثقافتها وتطورها من خلال إعداد برنامج أنشطة وفعاليات خاصة.
وكانت اللغة العربية في إبان العصور الإسلامية لغة إنتاج العلم والمعرفة وساعدت على نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة. كما أتاحت إقامة الحوار بين الثقافات على طول المسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الأفريقي.
ولتعزيز اللغة العربية، فقد وافق مجلس الوزراء على إضافة فقرة (د) إلى البند (رابعًا) من ضوابط عقد المؤتمرات والندوات في المملكة، عن طريق الجهات الحكومية بمشاركة خارجية، الموافق عليها بقرار مجلس الوزراء رقم (81) وتاريخ 22/ 3/ 1431هـ، ونصّ على إلزامية اعتماد اللغة العربية كلغة رسمية في المؤتمرات والندوات، وعلى المشاركين المتحدثين باللغة العربية التقيّد باستخدامها، ويجوز استخدام لغات أخرى في المؤتمرات والندوات الفنية والتخصصية التي تستلزم ذلك.
في الصحة بشكل عام والطب بشكل خاص، تُعدُّ مهارات التواصل أساسية في توصيل المعلومة الصحية للمرضى وذويهم، ومن الركائز المهمة في الخطة العلاجية. وبسبب التداخل اللغوي كلغة تعليم وأثر الثقافة الغربية لمَن تعلّم الطب بالخارج، فقد تأثرت أساليب التواصل وعقدتها لمَن لا يجد مرونة بلغته لاستيعاب اختلاف اللهجة أو اللغة أو الثقافة مع مَن يتحدث معه، وتتعقد تلك المشكلة عندما تكون علاقة بين الطبيب ومريضه؛ لأنها تتطلب استيعاب المشكلة وتشخيصها، وتقديم النصائح للتعامل معها.
كثيرًا ما يشتكي المرضى من سوء التواصل معهم من قِبَل بعض الممارسين الصحيين حتى بمستشفيات كبرى، فالتواصل في الصحة يتطلب التعاطف إنسانيًّا، والوضوح لتأكيد وصول المعلومة، وقد يجد الممارس الصحي الذي لديه صعوبات في التواصل، كان بسبب الأساليب أو اللغة صعوبات تصل لسوء الفهم والعنف.
وبالنسبة للمؤتمرات الصحية فحتى لو كانت متخصصة، فبعضها يرتبط بالمجتمع مؤتمرات الصحة العامة، ولتيسير وصول الرسالة التثقيفية للمجتمع، وأيضًا للممارس الصحي الذي سيتكلم اللغة العربية مع المرضى والمراجعين، وهو غالبًا مواطن أو عربي أو حتى لو كان غير ناطق للعربية، فهو بحاجة لاستخدامها للتعامل مع المرضى خصوصًا في القطاع الصحي الحكومي، فإن استخدام اللغة العربية يساهم في وصول المعلومة باللغة المناسبة، وهذا لا يتعارض مع العلم، فالأصل في اللغة التواصل.
بعض التخصصات الصحية أولت أهمية كبيرة للتواصل، ومنها زمالة طب الأسرة ضمن منهجها التدريبي، ووضعتها من أحد معايير التقييم للحصول على شهادة الاختصاص، وذلك حتى لا يخضع تعامل الطبيب مع مريضه للاختلافات الفردية المتوقع تفاوتها بين الأشخاص، حيث تجرى تطبيقات عملية تدرب وتقيم الطبيب في كيفية التعامل مع المريض بمختلف حالاته النفسية والمرضية، وأيضًا تبليغ المرضى أو أسرهم الأخبار السيئة التي تخص حالاتهم الصحية.
التواصل ضرورة مهنية في الصحة، ولتأكيد سلامة المرضى، وعليها معايير في تقييم الجودة حتى بالتواصل مع ذوي الإعاقة، ولذا لغة التواصل ينبغي أن تكون مادة أساسية في التعليم الطبي لتقدم وفق الفئة المستهدفة، وليس للاستعراض اللغوي.