وتؤكد المواقف التي صدرت بُعيد صدور مذكرة التوقيف ضد الرئيس بوتين، أن القرار غير منعزل عن سياق الصراع الدولي القائم، وهو يرفع منسوب المواجهة في هذا الصراع، والإشادة بالقرار من قبل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وحلفائه الغربيين، يشير إلى هذا التأثير السياسي، وقرار مدعي عام المحكمة الدولية، كريم خان، استند إلى معطيات سياسية أيضاً، واعتبر أن عملية نقل الأطفال الأوكرانيين من قبل مفوضة شؤون الأطفال الروسية، ماريا بيلوفا، المشمولة بمذكرة التوقيف؛ لا يمكن أن تحصل من دون موافقة الرئيس بوتين.

مذكرة التوقيف الدولية ضد الرئيس الروسي، أضفت أجواء جديدة على الحرب الدولية التي تجري على الأراضي الأوكرانية، منذ أكثر من عام، وستكون لها مفاعيل قانونية وتأثيرات ميدانية كبيرة، بصرف النظر عن الاستخفاف الذي أبدته موسكو تجاه المذكرة، وهي اعتبرتها من دون أي قيمة، وليس للمحكمة أي علاقة بأحداث تجري على أراضي دول غير أعضاء في نظام روما، ومجلس الأمن لم يتخذ قراراً بإحالة الملف إلى المحكمة، وفق ما ينص عليه نظامها، كما قال الناطق باسم الكرملن، ديمتري بيسكوف. لكن المادة 89 من نظام روما تلزم الدول الأعضاء في المحكمة بتنفيذ مذكراتها والأحكام الصادرة عنها، وبالتالي فإن أكثر من 113 دولة في العالم يُفترض بها توقيف الرئيس الروسي إذا ما دخل أراضيها.

من المؤكد أن المحكمة الدولية ليست قادرة على تنفيذ مذكرة التوقيف؛ لكن صدور قرار إحضار بوتين نقل حالة الاحتكاك الدولي إلى درجة أكثر توتراً، وتصنيف بوتين بأنه ارتكب جرائم حرب، سيدفع بالأخير إلى التشدّد أكثر تجاه خصومه في الغرب، وسيكون صعباً عليه القبول بأي شكل من أشكال الهزيمة، لأن ذلك سيرفع كل أنواع الحصانات عنه في الخارج، وبوتين سيعمل على تغذية المشاعر القومية لحماية نفسه من أي هزيمة داخل روسيا، لأن ذلك سيعرضه إلى تكرار التجربة التي حصلت مع الرئيس السوداني عمر البشير بعد أن ترك الحكم وأصبح من دون حصانة، وتعرّض للملاحقات الجنائية.

يحاول الرئيس الصيني، شي جين بينغ، تدوير الزوايا لتلافي مواجهة دولية واسعة تهدد الاستقرار العالمي، وأطلق مبادرة للمصالحة بين روسيا وأوكرانيا، ويحاول من موسكو تخفيف ردود الفعل الروسية على الإجراءات الغربية – ومنها مذكرة التوقيف - لتخفيف منسوب التوتر المُقلق، لأن العالم يواجه تحديات مالية واقتصادية وأمنية وتجارية، ويحتاج إلى السلام.