مبيعات الأشمغة في رمضان ترتفع بنسبة 70 % ، والإنفاق عليها يصل إلى 107 ملايين دولار، ومعدلات شراء الملابس الرجالية والجلابيات النسائية ترتفع بنسبة 40 %، مقارنة بالأيام العادية، وحتى الإقبال على العود والعطور التقليدية يعيش طفرته الخاصة، ولدرجة أن استهلاك هذه المواد يتجاوز، في المتوسط، ما قيمته ألف وأربع مئة دولار لكل شخص، والأصعب أن مجمل الصرف عليها خلال الشهر الكريم يقدر بنحو 133 مليون دولار، وفي إحصائية عن رمضان لعام 2017، بلغت مبيعات منتجات بعض المشروبات الرمضانية أكثر من ثمانين مليون عبوة في منطقة الشرق الأوسط، وكان الطلب عليها أعلى من العرض، وهو ما تسبب في اختفائها من الأسواق المحلية.

المسألة لا تتوقف عند ذلك، لأن 20 % من ميزانية العائلة السعودية تذهب إلى الأكل، وتتضاعف النسبة في رمضان، مع ملاحظة أن 25 % من الأطعمة المستهلكة يتم هدرها ولا تستغل بطريقة صحيحة، أو لا تحفظ في درجة حرارة تجعلها صالحة للاستهلاك الآدمي، ما يعني تحولها إلى نفاية، أو المجازفة بتوزيعها على المحتاجين، وتعريض حياتهم لخطر التسمم، بخلاف الشعبنة والقرقيعان وما يستنزفانه من أموال، ومعهما عمرة رمضان وتكاليفها والتهافت عليها، والتي مازال الناس يعتقدون أنها تعادل حجة، رغم تأكيد أهل العلم الشرعي بعدم أفضليتها على العمرة خارج رمضان، وأن الحجة مخصوصة بحالة واحدة دون غيرها، وجاءت من باب الترضية وفي ظرف استثنائي.

الاحتفال بشهر الصوم وإعطاؤه خصوصية يتفرد بها، بدأ في زمن الخليفة عمر بن الخطاب، وهو أول من أنار وزين المساجد لصلاة التراويح (القيام)، واستمرت السنة العمرية وطورت في الدول الإسلامية المتعاقبة، والمفارقة أن المعز لدين الله الفاطمي، مؤسس مدينة القاهرة المصرية، يعتبر صاحب موائد الرحمن الأولى في التاريخ الإسلامي، وأول من جعلها عامة في الشوارع، وكان اسمها (سماط رمضان)، والتقليد نفسه مازال موجوداً في حرمي مكة والمدينة وفي غيرهما، باختلاف المسميات، ودخلت الحلويات المبتكرة إلى المائدة الرمضانية في الدولة الأموية، فقد كان معاوية ابن أبي سفيان، أول من أكل الكنافة أيام ولايته على الشام، وتحديداً في وجبة السحور لتسد جوعه خلال نهار رمضان، وسميت بـ(كنافة معاوية) وتلاه طبق القطايف الأول، الذي أعد لسليمان بن عبدالملك، في فترة توليه الخلافة.

رمضان يعتبر من الأشهر العربية المعروفة من أيام الجاهلية، ومعناه في اللغة (الرمض) أو شدة الحر، واللفظ متطابق مع الصيام، لأن رمض الصائم يعني حرارة جوفه من شدة العطش، وأصوله قديمة، ومن الشواهد عليها، أن فيثاغورس اشترط اختبار قبول محدد على طلاب مدرسته الفلسفية، وأنهم لابد أن يصوموا أربعين يوماً، وإلا فلن يتمكنوا من الالتحاق بها، وواظب إفلاطون وارسطو على صيام متقطع من فترة لفترة، وبما يتراوح ما بين سبعة إلى عشرة أيام، بغرض الوصول إلى النقاء الذهني وزيادة التركيز، أو لاسباب صحية وعلاجية، وابقراط أبو الطب الحديث، قال إن كل شخص بداخله طبيب طبيعي، وأنه يستطيع معالجة مرضه ذاتياً بالامتناع عن الطعام في ساعة المرض، لأن من يأكل وهو مريض يطعم مرضه ويزيد من انتشاره واستفحاله، وفي دراسة أجريت بجامعة الملك سعود، حول تأثير الصيام على مجموعة من الشباب، لوحظ أن الصوم زاد من درجة اليقظة والانتباه لديهم، لأنه ساهم في زيادة نشاط موصل عصبي اسمه (أوركسن آي).

العالم الياباني يوشينوري أوسومي، فاز بجائزة نوبل في الطب عام 2016، لأنه اكتشف أن عدم الأكل أو الصيام بالمفهوم الإسلامي، يترتب عليه قيام الجسد بعملية تعرف بـ(الأوتوفاغي) أو الالتهام الذاتي، وتقوم فيها الخلايا بتدمير محتواها، ومن ثم حبسه في غلاف يساعده على تجديد نفسه واستعادة شبابه، ووجد البروفيسور ديفيد سنكلير، عالم الجينات بجامعة هارفارد الأميركية، أن عدم الأكل لمدة يحفز بروتينات اسمها (السيرتونز)، والأخيرة تعمل على إصلاح المشكلات والأضرار في الحمض النووي، والتي يؤدي تراكمها إلى الإصابة بالشيخوخة والموت، والمعنى أن الصيام يطيل العمر، علاوة على أن أصحاب البطون الفارغة، أقدر من غيرهم على اتخاذ قرارات أفضل في الأمور المعقدة، مثلما تؤكد دراسة هولندية من جامعة أوترخت.

المشكلة في رمضان هو اضطراب عمل هرمون (غرلين) المسؤول عن جدولة الإحساس بالجوع، والشخص يستطيع التحكم فيه وإعادة برمجته ولكنه لا يفعل، وبالتالي يفقد الصيام تأثيراته الصحية العظيمة بالأكل المتواصل من الإفطار إلى السحور، وما يصاحبه من ارتفاع في إفراز الانسولين وزيادة احتمالات السمنة السريعة والمفرطة، كما هو الحال في مصارعي (السومو) الياباني، بالإضافة إلى أن ارتفاع مقاومة الجسم للأنسولين تسبب أمراض القلب والسكري وتشمع الكبد وغيرها، وفي الجدول المزدحم بالأكل والزيارات والدراما والبرامج الحوارية، أجد أنه من غير الممكن تخصيص أوقات كافية للعبادات والروحانيات، مع أنها الأصل في الشهر الفضيل.