في غضون أسبوع واحد واجه النظامُ المالي والمصرفي الغربي، على ضفتي الأطلسي، أزمة مالية أدت إلى انهيار ثلاثة مصارف أميركية، بمجوع أصول تبلغ 333 مليار دولار، من ضمنها بنك «سيليكون فالي» كأحد أكبر البنوك الأميركية والذي استحوذ عليه بنك «فيرست سيتيزنز»، وآخر سويسري، بعد أن عانت من نقص في السيولة نتيجةً للعديد من العوامل المتراكمة، علماً بأن بعضَها ظل يعاني من تداعيات الأزمة المالية السابقة في عام 2008، كبنك «كريدي سويس».

ومع أن الأزمة المالية أمكن تداركها حالياً من خلال تقديم دعم بأموال مطبوعة، حيث قدم بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي مبلغ 300 مليار دولار للبنوك الأميركية التي طلبت مساعداتٍ عاجلةً، كما قدّم البنك المركزي السويسري 54 مليار دولار لكريدي سويس، مع أن ذلك لم يؤد إلى تفادي انهياره والاستحواذ عليه من قبل بنك «يو بي أس» وشطب 17 مليار دولار من السندات التي أصدرها كريدي سويس، مما أثار انتقادات كثيرة من قبل المستثمرين.

ورغم ذلك، فما تم اتخاذه من إجراءات بطبع النقود يأتي ضمن الحلول السهلة، وهي مسكنات مؤقتة وليست حلولاً لأزمة هيكلية تتطلب معالجات دائمة، كما أنها جزء من الأزمة الهيكلية التي يعاني منها النظام الرأسمالي والتي عادةً ما تطالُ نظامَه المالي والمصرفي أولاً، وهو ما عبّر عنه المستثمر الشهير «كارل ايكاهن» قائلاً: «الاقتصاد الأميركي في محنة بسبب القيادة الضعيفة للاقتصاد والتضخم»، مضيفاً أن «النظام الاقتصادي ينهار». أما رئيسة المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، فصرّحت قائلةً بأن «هناك مخاطر جديدة تهدد الاقتصاد».

في حين خفضت وكالةُ «موديز» الائتمانية نظرتَها للنظام المصرفي الأميركي من مستقرة إلى سلبية. ويَطرح ذلك بصورة جدية المخاطرَ المحيطةَ بالاستثمارات الأجنبية، وبالأخص العربيةَ في البنوك والمؤسسات المالية الغربية والتي لا تتمتع بالضمانات، خاصةً بعد أن أشارت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، إلى احتمالية ضمان الودائع كاملةً، وذلك قبل أن تقتصرها على مبلغ 250 ألف دولار فقط. كما قال رئيس البنك الفيدرالي الأميركي، «جيروم باول»، الأسبوع الماضي. بعد قرار رفع أسعار الفائدة بمقدار 0.25%، إن «ما يهم مؤسسته بالدرجة الأولى هو خفض معدلات التضخم وليس استقرار النظام المالي التي يمكن احتواؤه». وهو تصريح يؤكد قول المستثمر «ايكاهن» حول ضعف الإدارة الاقتصادية والتي قد تتسبب في أزمات جديدة، كما توقعت «لاغارد».

وبالإضافة إلى الخلل الهيكلي للنظام المالي، فإن الأزمات الجيوسياسية العالمية، وبالأخص الحرب الأوكرانية، تزيد هذه الأزمات المالية سوءاً بسبب غياب التعاون والتنسيق الاقتصادي والمالي بين الدول ذات الاقتصادات الكبيرة والمؤثرة، كالولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي وروسيا والدول المنتجة للنفط، والتي تعيش حالة من التباين، مع وجود عقوبات وعقوبات مضادة. وذلك يعني أن معظم المؤشرات تخبرنا بأن الأزمات المالية الأشد والأكثر تأثيراً قادمة، وهو ما يتطلّب بالمقابل إعادة خارطة توزيع الاستثمارات العربية لتقليل الخسائر المتوقّعة، مع التركيز على الاستثمارات الداخلية، خصوصاً وأن الاقتصادات الخليجية شهدت في السنوات الأخيرة تطورات متسارعةً فتحت العديد من مجالات الاستثمار الجديدة، بما في ذلك مجال الطاقة المتجددة والتقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي.. والتي تتطلب استثمارات كبيرة. كما أن بعض الاقتصادات الناشئة توفّر بدورها مجالات استثمار مجديةً ومستقرةً، إضافةً إلى الاستثمارات في الدول الغربية التي يمكن تنميتها من خلال متابعتها بدقة وتجنب المخاطر المحيطة بها والتي تكررت خلال السنوات القليلة الماضية.
*خبير ومستشار اقتصادي