في فسحة أربعة أشهر كانت هناك زيارتان وحدث قد لا يكون بعدها مثل ما قبلها. وما يشرح الصدر أن واحدة من الزيارتين كان مركزها الرياض، عاصمة المملكة. الحدث كانت الرياض محوره.

والزيارة الثانية، كانت موسكو، عاصمة روسيا موطئا لها. الزيارتان والحدث سيكون لها تبعات قد تغير وجه العالم.

قد يقول قائل ماذا عن الحرب الضروس في أوروبا التي صارت تداعياتها محسوسة حتى على الرجل العادي في الدول الغربية المتمكنة صناعيا وعلميا وتكنولوجيا واقتصاديا؟

ثم ماذا عن انهيار بعض المصارف الأمريكية والغربية وما تشكله من خطورة على مجمل الأسواق المالية في العالم؟

لا شك أن الحرب في أوروبا التي ساحة عملياتها العسكرية مقتصرة حتى الآن ضمن نطاق دولة أوكرانيا تشكل ما قد يرقى إلى خطر وجودي للغرب وربما للعالم أجمع.

ولا غرو أن يكون للهزة الكبيرة التي أحدثها سقوط ثلاثة مصارف كبيرة ما يثير القلق والخوف على مصير اقتصاد الدول الغربية ورأسماليتها الليبرالية أو النيوليبرالية التي صبغت العالم لقرن ونيف.

في حالة الحرب الأوكرانية وصل الأمر إلى توقعات على مستوى الشارع في أوروبا أن الزمام على وشك أن يفلت من عقاله معلنا نهاية العالم.

في خضم الفوضى التي تمر فيها المصارف الغربية، كان لما نقل عن المدير التنفيذي لبنك نورديا السويدي ما يدب الرعب والفزع والهلع في فرائص كل من وضع سلته المالية حصرا في يد البنوك.

أوضح مدير نورديا أن نهاية عطلة الأسبوع، التي كانت الفترة التي يستجم فيها مع عائلته، صارت تفزعه لأنه لا يعرف ما يخبئه له الإثنين عندما تفتح المصارف أبوابها بعد إقفالها السبت والأحد.

الحرب الدائرة في أوروبا وترنح الأسواق المالية الغربية جعلت العالم ينجذب صوب أحداث كانت ستكون عادية لولاهما.

وليس من الصدف أن تكون المملكة محط أنظار وقيادتها الشابة تحث الخطا في جميع المضامير لإحداث نهضة شاملة حسب رؤى مخطط لها بعناية تنقلها من حال إلى حال.

لن يكون بمقدور أي محلل ـ وهذا رأيي الشخصي ـ اليوم أن يتحدث عن مصير العالم، وليس منطقة الشرق الأوسط فحسب، إن لم يأخذ طموحات القيادة الشابة السعودية في الحسبان.

ميزانية المملكة وما حباها الله من ثروات صارت معيارا من معايير الاقتصاد العالمي، فضلا عن المشاريع العملاقة التي لا بد أن تنقل المملكة إلى مصاف الدول المتقدمة، أو ليس الطموح حسب خطط الرؤى المستقبلية التي يجري تنفيذها أن نرى المملكة وكأنها قطعة من أوروبا في غضون عقود قليلة؟

ومنذ الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني إلى الرياض قبل نحو أربعة أشهر، والإعلام الغربي لا ينفك عن الحديث لما ستؤول إليه هذه الزيارة، حيث الأنظار ما زالت شاخصة على التأثير الذي يمكن أن تحدثه في توازن القوى، ليس على مستوى الشرق الأوسط بل أبعد من ذلك.

والله أبتسم وأحيانا قد أضحك عند قراءتي الصحافة الغربية التي حتى هذا اليوم وبعد مرور أكثر من 120 يوما على الزيارة، وهي تسك مصطلحات جديدة لسبر أغوار ما ستحدثه من تغييرات ليس على مستوى المنطقة، بل على مستوى العالم.

يحضرني مصطلح "تحالف النفط مع اليوان "العملة الصينية" أو "استدارة الشرق الأوسط صوب الصين" أو "ظهور المارد الصيني في الشرق الأوسط"، وما إليه من صيغ لغوية جديدة غايتها تفكيك ما تعنيه هذه الزيارة التاريخية.

وأكثر مدعاة للابتسامة هي الفرضيات التي يأتي بها ليس المحللون الغربيون بل حتى بعض القادة السياسيين. الفرضية شبه سؤال يبقى معلقا حتى معرفة الجواب. المشكلة أن لا جواب أو حلول لكل الفرضيات الغربية حول هذه الزيارة حتى يومنا هذا.

يفترضون أو يسألون، ماذا سيحدث لو قررت المملكة استخدام العملة الصينية بدل الدولار ويضعون سيناريوهات سلبية لوقع أمر مثل هذا على الرأسمالية الغربية.

ويفترضون ماذا سيحدث لو استدارت المملكة صوب الشرق استدارة كاملة، وغادرت الساحة التي اعتادت عليها؟

وهناك كثير من مثل هذه الفرضيات والأسئلة التي تحير المحللين والسياسيين في آن.

وإن باعت المملكة بعض سنداتها في الخزانة الأمريكية، صار ذلك للتو خبرا كبيرا قد تستجيب أو تهتز أحيانا له الأسواق المالية العالمية.

وحتى خطط المملكة للتنمية الشاملة ورؤية 2030 ومشاريعها الجبارة لإنشاء بنى تحتية من مصانع وطرق ومدن في الغالب تصبح مثار حديث الصحافة الغربية التي تتناوله بالتحليل والتغطية.

والعالم لا يزال منشغلا بهذه الزيارة والاتفاقات التي نتجت عنها وتداعياتها، حط الرئيس الصيني في موسكو. هناك كل كلمة وكل إيماءة وإشارة منه كان لها تأثير ليس في مستقبل أوروبا بل العالم برمته.

وأخيرا أتى الحدث الكبير وهو التوصل إلى اتفاق بين المملكة وإيران. وكأن زيارة الرئيس الصيني لم تكن كافية، وإذا بالمملكة تفاجئ العالم مرة أخرى مبرهنة على كاريزمية قيادتها وتشخيصها الصائب للتحولات التي يبدو أنها ستقلب عالمنا المعاصر على عقب.