العنوان لتقرير نشرته صحيفة عكاظ السعودية يتناول ما تحقق من «نقلة نوعية في تحوّل الشعارات الى واقع ملموس»، والحديث حصرًا وتحديدًا عن «السعودة» التى انتقلت وفقًا للتقرير من شعار استمر يطرح ويتداول لعقود لينتقل الى ارض الواقع بسياسة التوطين الفعلي والملموس، عبر برنامج اطلق عليه «التوطين» حقق نقلة نوعية و فاعلية في هذا المجال، برنامج عزز فاعلية الجهات الحكومية في زيادة معدلات التوظيف، واستقطاب الكوادر الوطنية المطلوبة في المهن التخصصية النوعية والفنية والتقنية، بشكل يصب في خدمة تحقيق مستهدفات استراتيجية سوق العمل ورؤية المملكة العربية السعودية 2030 التي انطلقت في 25 أبريل 2016 والتي من مقتضياتها التركيز بناءً على جهوزية عالية لإدارة ملف التوطين وتمكين المرأة، والاشراف على ما يقارب 70% من العاملين في أنشطة القطاع الخاص. (جريدة عكاظ 17 أبريل 2023)

من يتمعن في هذا البرنامج، ويتابع المبادرات والبرامج والخطط التي تتبناها المملكة العربية السعودية على صعيد «السعودة» او «التوطين» وتقليص الاعتماد على العمالة الوافدة وخاصة على صعيد الوظائف القيادية، وما تحقق في هذا المجال والجهود التي تعززت بإنشاء وكالة التوطين السعودية قبل سنوات والتي من أهم مهامها استشراف العرض والطلب في سوق العمل، وتحديد التخصصات والمهارات المستقبلية المطلوبة، وفي هذا السياق يتم توطين مهن ووظائف تخصصية في قطاعات عديدة، الفنية، والاتصالات، وتقنية المعلومات، السياحة، التجزئة، ومهن المحاسبة والمحاماة، وإدارة المشتريات والمبيعات والمالية، وغيرها من القطاعات الاقتصادية والأنشطة الجاذبة للمواطنين السعوديين، الى جانب دراسة الأنشطة المستقبلية المستهدفة بالتوطين وبحث ودراسة التحديات والموضوعات التي تواجه استحداث الوظائف في مشاريع العام والخاص، وعملت بجدية على تذليلها، والى جانب ذلك تم اعتماد سياسة الإحلال بعد عملية حصر الوظائف العليا والوسطى المشغولة من غير السعوديين وإحلال السعوديين محلهم، وحصر بعض الوظائف على المواطنين السعوديين، والى جانب ذلك لم يغفلوا من لا يمتلكون المؤهل الكافي من ابناء المملكة بل اعتمدوا برامج تستهدف تطويرهم وتأهيلهم ليرتقوا بقدراتهم مع ملاحظة أن الجهود التي بُذلت فى هذا الشأن لم تركز على الوظائف متدنية الرواتب او تلك التي لا تعتبر هدفًا لجذب السعوديين، كما لم يمارس أي ضغط لتحويل الوظائف المؤقتة لوظائف دائمة وتناسوا خلق الوظائف الحقيقية.

إن أول وأهم ما يمكن أن يلاحظ هو أن هناك حزمًا في تطبيق «السعودة»، وجدية ملحوظة في تقديم مجموعة من المحفزات والدعم والبرامج المساندة لعملية السعودة وتمكين المرأة، وجعل ذلك مستهدفات استراتيجية من أجل محاربة البطالة في صفوف المواطنين، كما يلاحظ أن ذلك اقترن بهدف مهم هو إنعاش الاقتصاد، وهو الأمر الذي عزز من تحقيق نتائج جيدة في العديد الأنشطة والمهن مما جعل المملكة العربية السعودية قدوة خليجية حسنة في الإحلال والتوطين ومعالجة تشوهات سوق العمل بإجراءات حازمة في المقدمة منها ما عرف بالسعودة الوهمية والتستر التجاري، وقيل بأن قطار التوطين بدأ يواصل مساره بجدية وبوتيرة سريعة، لا تعرف التوقف او البطء وكأنه يسعي لتعويض ما فاته من وقت وجهد ضائعين خلال سنوات مضت.

بالنسبة لنا، كم نتمنى لو حققنا شيئًا من ذلك النهج الذي سارت عليه شقيقتنا الكبرى في مجال السعودة، وتوطين الوظائف والمهن وحصر بعضها على المواطنين، بوتيرة مشابهة او حتى قريبة منها، ولكننا ومع الأسف لازلنا نظهر كما لو أننا لا ندري أين وجهة سيرنا، وكيف سيكون مستقرها، وعلى أي أساس يمكن أن نتجاوز المراوحات والتعقيدات والمصاعب والاعتبارات والمصالح التي تجعل هذا الملف فى قبضة شعارات ومعزوفات تدق على وتر «البحريني أولاً» و«البحريني الخيار الاستراتيجي» و«المواطن لن يُمس»، و«مواءمة مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل»، وغير ذلك من العناوين التي جرى تداولها مرارًا وتكرارًا على مدى عدة سنوات وحتى الآن بكل انسيابية وحماس ودون توقف..؟!

هل تذكرون تلك المعزوفات والشعارات؟ وهل تذكرون الدراسات والخطط والبرامج والمشاريع التي أعلن عنها والتي كان الهدف منها جعل البحريني الخيار الأول في سوق العمل؟ وهل تذكرون الضجة التي شهدناها قبل سنوات طويلة حول ما عرف بمشروع ماكينزي؟ وهو المشروع الذي استهدف تشخيص سوق العمل في البحرين والتحديات التي تواجه هذا السوق وتحديد سبل إصلاح هذا السوق وإعطاء البحريني أولوية العمل من منطلق أن تحقيق البحرنة هدف داعم للأمن والسلم الاجتماعي..

إذا كنتم تذكرون ذلك فعليكم تذكّر كيف كانت «البحرنة» و«أهداف البحرنة»، و«توجهات البحرنة» و«خطط البحرنة» تضرب في الصميم، بل ذهب أكثر من مسؤول الى إعلان وفاة البحرنة بذريعة أن إلزامية البحرنة أمر لا يتناسب مع الاقتصاد البحريني ولا نهج الحرية الاقتصادية للبحرين ولا جهود جذب المستثمرين اليها..! ويمكن أن نستحضر كم من التصريحات والوقائع التي صبت باتجاه تأكيد وترسيخ ذلك.

لسنا في وارد استعراض أرقام تتصل بكيفية مسارات البحرنة من واقع أرقام معلنة والتي قيل في شأنها الكثير، أحسب أنها باتت معلومة للجميع، ولكن يكفي الإشارة الى ما كشف عنه وزير العمل رئيس مجلس إدارة هيئة تنظيم سوق العمل ردًا على سؤال برلماني، من تحويل تأشيرات 84526 أجنبيًا من سياحية الى تأشيرات عمل منذ عام 2019 وحتى فبراير 2023 (أخبار الخليج 22 ابريل 2023)، يحدث ذلك بدلاً من اتخاذ الاجراءات القانونية ضد هذه النوعية من السيّاح، وهو الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات المقرونة بعلامات تعجب شتى واعتبار ذلك أمرًا فريدًا لم يحدث أن أقدمت عليه دولة في العالم..! والغريب إن ذلك يأتي في وقت كنا ننتظر فيه الإعلان عن خطوات تصويبية حاسمة للتشوهات القائمة في سوق العمل وزيادة معدلات توظيف البحرينيين، والغريب ايضًا أن ذلك لم يحرك ساكنًا لدى معظم النواب، هؤلاء ربما، ربما فقط، وهذا كلام نوجهه بمسؤولية يحتاجون الى سحر ساحر يحركهم ويعرّفهم بما يجب أن يقوموا به ويجعلهم يتجاوزون حدود التصريحات الصحفية الاستعراضية، او لجان التحقيق التي تتشكل ولا يُعرف مصيرها ولا نتائج أعمالها، وهنا ومن باب الإحاطة والعلم والتذكير كان ملف البطالة والبحرنة وتحديات سوق العمل محور البرامج الانتخابية للنواب في فترة الانتخابات..!

في ضوء ما تقدم، وفي ضوء الكثير من الشعارات والعناوين حول ملف البحرنة ثمة أسئلة مطروحة: هل يمكن أن تتحقق الجدية اللازمة والحازمة لإعادة الاعتبار للبحرنة في سوق العمل..؟! والسؤال بصيغة أخرى هل يمكن وضع الأمور فيما يخص هذا الملف في نصابها الصحيح كما يجب التصحيح..؟! وهل يمكن أن نستفيد من تجربة شقيقتنا الكبرى السعودية في هذا المجال التي ابتعدت عن القوالب الشكلية في التوطين؟ والسؤال الأساسي والجوهري: هل نحن قبل كل شيء جادون حقًا وفعلاً في المضي على طريق البحرنة او التوطين وجعل هذا الهدف الهاجس والشغل الشاغل للجميع..!

إلى كل المعنيين نهمس ونقول: لا تجعلوا حال هدف «البحرنة» شبيه بحال الأيتام على مائدة اللئام..!!