بعد نحو سبع ساعات من المناقشات المطولة بين الدول الأعضاء، قررت مجموعة "أوبك+" عدم تنفيذ تخفيضات إنتاج رسمية إضافية هذا العام، واختارت بدلا من ذلك تغيير الحصص الأساسية لدول التحالف من أجل عكس الطاقة الإنتاجية فيها بشكل أكثر إنصافا، وتحديد إنتاج مستهدف جديد ومنخفض لـ2024. إضافة إلى ذلك، وافقت الدول التسع التي نفذت تخفيضات طوعية في نيسان (أبريل) بقيمة 1.66 مليون برميل يوميا، "السعودية، العراق، الإمارات، الكويت، عمان، الجزائر، كازاخستان، الجابون، روسيا"، على تمديد التخفيضات لمدة عام، حتى نهاية 2024. كما أعلنت المملكة خفضا طوعيا إضافيا بمقدار مليون برميل يوميا خلال تموز (يوليو) المقبل قابلا للتمديد، ليصبح إنتاجها تسعة ملايين برميل يوميا، ويكون إجمالي الخفض 1.5 مليون برميل يوميا. وأوضح الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، أن هذا الخفض الطوعي الإضافي "يأتي لتعزيز الجهود الاحترازية التي تبذلها دول (أوبك+) بهدف دعم استقرار السوق وتوازنها". قدمت المجموعة أيضا إرشادات لاستراتيجيتها لإدارة الإنتاج في العام المقبل. هدف الإنتاج الحالي البالغ 40.1 مليون برميل في اليوم هو للفترة من تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 حتى كانون الأول (ديسمبر) 2023. الإنتاج المستهدف الجديد للعام المقبل هو 38.7 مليون برميل في اليوم، وهو أقل بمقدار 1.4 مليون برميل في اليوم عن هدف هذا العام. تشمل أرقام الإنتاج المستهدفة الجديدة خفضا كبيرا لروسيا بنحو 650 ألف برميل يوميا، نيجيريا 360 ألف برميل يوميا، أنجولا 175 ألف برميل يوميا، من بين دول أخرى، وزيادة 200 ألف برميل يوميا في الإنتاج المستهدف للإمارات تعكس الاستثمار في طاقات إنتاجية جديدة.
إن الإجراء الذي اتخذته "أوبك+" يعالج المخاوف بشأن مستويات الإنتاج، ويعيد تأكيد تماسك المجموعة. مع هذا الاتفاق تم وضع حد للتكهنات حول مستقبل "أوبك+" والتوترات المزعومة بين المملكة وروسيا. في هذا الجانب، أكد وزير الطاقة السعودي، أن اجتماع "أوبك+" اليوم شهد تعاونا غير مسبوق، مشددا على أن التحالف لا يستهدف نطاقا سعريا محددا، وأن دول التحالف ستقوم بكل ما هو ضروري لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط. يمكن تلخيص أبرز مخرجات الاجتماع الوزاري الأخير للمجموعة، بثلاث نقاط: القدرة على التنبؤ، الشفافية، واستقرار السوق.
بالفعل، كان اجتماع "أوبك+" الوزاري الأخير مصدرا للمعلومات القيمة للغاية للمتداولين في أسواق النفط، بما في ذلك التغييرات المحتملة في كميات الإنتاج والتباينات بين عمليات التسليم المعلنة والفعلية، حيث يهتم المتداولون في المقام الأول بكمية النفط التي تزودها دول المجموعة بالفعل للسوق، وليست كمية النفط التي من المفترض أن تكون في السوق وفقا للحصص والاتفاقيات الخاصة بخفض الإنتاج الطوعي. كلما تمت إضافة مزيد من التخفيضات الطوعية إلى الحصص المتفق عليها، تطلب الأمر مزيدا من التوضيح.
على سبيل المثال، عديد من دول "أوبك+"، لا تنتج بقدر ما ينبغي في ظل نظام الحصص لأنها تفتقر إلى الطاقة الإنتاجية. في حين أن بعض دول المجموعة الأخرى التي تتعهد بخفض الإنتاج طواعية لا تفعل ذلك في الواقع. بينما تنتج نيجيريا، أنغولا، الجزائر، الكونغو والعراق أقل من حصصها، تنتج روسيا، التي وافقت في نيسان (أبريل) على خفض إنتاجها طواعية بمقدار 500 ألف برميل يوميا، أكثر من المتوقع.
بسبب هذا التباين وعدم الوضوح، لم تكن إشارات "أوبك+" فاعلة في التأثير على السوق، كما هو متوقع. على سبيل المثال، عندما أعلن التحالف خفضا للإنتاج في تشرين الأول (أكتوبر) 2022، قفز سعر خام برنت إلى 93 دولارا للبرميل. في أبريل، أدى الإعلان غير المتوقع عن خفض طوعي في الإنتاج إلى ارتفاع الأسعار 7 في المائة، لكن خلال أسبوعين فقط تلاشت هذه المكاسب. الأسبوع الماضي، ارتفعت أسعار النفط بنحو 2 في المائة بعد بيان "أوبك+" الأحد، وبحلول الخميس خسرت جميع مكاسبها.
هذا يعني أن المتداولين يراقبون بيانات التصدير ومؤشرات الإنتاج الأخرى للحصول على فكرة عن كمية النفط التي تدخل السوق بدلا من بيانات المجموعة. في حالة روسيا، يعد هذا إشكالا، حيث قررت عدم نشر بيانات الإنتاج والتصدير بعد الآن. بالفعل، الأسواق تحب القدرة على التنبؤ وهذا ما قدمه قرار "أوبك+" من خلال تمديد تخفيضات أبريل حتى نهاية 2024 بدلا من توفير أفق زمني معتاد مدته ستة أشهر يمتد من اجتماع وزاري للمجموعة إلى الاجتماع التالي.
الواقعية على المدى الطويل دائما شيء جيد. في هذا السياق، يعد تعديل حصص الإنتاج مفيدا لأنه يعكس حالة بعض الدول التي كانت تنتج أقل بكثير من الحصة لفترة طويلة من الزمن مع إعطاء بعض الدول، مثل الإمارات، الفرصة لزيادة حصتها بمقدار 200 ألف برميل في اليوم. على الرغم من ممانعة بعض دول المجموعة، إلا أن تعديل الحصص مهم في ضوء أن الإمارات قد استثمرت بكثافة في طاقاتها الإنتاجية، التي لم يتم استغلال كثير منها في أعقاب انهيار الطلب بعد الجائحة.
كان من المهم أيضا أن "أوبك" قررت مراجعة الإنتاج والحصص لبعض الدول من قبل جهات مستقلة مثل آي إتش إس إنرجي IHS، وود ماكنزي وريستاد للطاقة Rystad Energy، ما يضمن الشفافية. إجمالا، تمخض اجتماع الرابع من حزيران (يونيو) عن اتفاقية شاملة تهدف إلى تحقيق الاستقرار في الأسواق من خلال إمكانية التنبؤ بالأفق الزمني والشفافية في تقييم مستويات الإنتاج. كما بعث الاجتماع بإشارة واضحة مفادها أن المجموعة مستعدة لدعم الأسعار ومواجهة المضاربين.
في هذا الجانب، قال الأمير عبدالعزيز بن سلمان، في مؤتمر عقب الاجتماع، "نريد أن نثبت للعالم أننا نمتلك أدوات استقرار السوق النفطية.. قرارنا يساعد على تعزيز استقرار الأسواق ويمنع التذبذب، لأن استقرار الأسواق أهم شيء لدينا"، متابعا، "لسنا قلقين على الإمدادات في العام المقبل.. لا نستهدف أسعار نفط محددة، بل نهدف لتقليل التذبذب في السوق". ماذا يعني ذلك بالنسبة إلى السوق؟ ينبغي ألا يؤدي تمديد خفض العرض حتى نهاية 2024، إلى تغيير التوقعات بشكل جذري. لكن، العامل الداعم في المدى القريب هو مزيد من الخفض الطوعي من قبل المملكة. يجب أن يوفر هذا بعض الدعم الصعودي للسوق، كما يجب أن يعزز التزام المجموعة بمحاولة وضع أرضية لأسعار النفط التي كانت ستنخفض كثيرا لولا التخفيضات الطوعية للمجموعة، والخفض الإضافي للمملكة.
التعليقات