يدخل حلف «الناتو» مرحلة جديدة إثر اجتماعه الأخير في ليتوانيا، وعلى مسافة عشرات الأميال فقط من بيلاروسيا. وبعد عام من قمة مدريد التاريخية، حين اتفق حلفاء «الناتو» على مفهوم استراتيجي جديد، والذي وصف روسيا بأنها تهديد مباشر، ووضع إستراتيجية جديدة للدفاع، وليطرح مقاربة جديدة في التعامل مع إشكالية توسيع نطاق الحلف.
هدف «الناتو» الراهن التوصل إلى اتفاق سياسي حول مستقبل أوكرانيا، وتحديد مسار انضمامها، والتعهدات الأمنية في انتظار هذا الانضمام الذي لن يتم، وسيتم التعامل معها وفق آليات مشابهة للدول الحليفة للولايات المتحدة مثل إسرائيل، فضلاً على قضايا أخرى مهمة مثل طلب انضمام السويد الذي لا تزال تركيا تعارضه، حتى الآن، وطلبت مزيدا من التنازلات من الإدارة الأميركية، في ما تبنت ألمانيا الدعوة أيضا لتأجيل انضمام أوكرانيا إلى حلف «الناتو»، بسبب مخاوف من أن تؤدي العضوية إلى حرب مع روسيا، وإعطاء موسكو المبرر لاختبار المادة 5 من ميثاق «الناتو» بشأن الدفاع الجماعي، والتي تنص على أن أي هجوم، أو عدوان مسلح ضد طرف منهم «الناتو»، يعتبر عدواناً عليهم جميعا. والبديل تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا تشمل الأسلحة والمساعدات، والاستخبارات لسنوات مقبلة.
«الناتو» يتحرك من خلال موقف موحد متفق عليه من شأنها تقريب انضمام أوكرانيا إلى الحلف إضافة لحسم بعض الملفات، وأهمها الإرهاب، وتغير المناخ والتقنيات التكنولوجية الجديدة، والتعاون مع الاتحاد الأوروبي لحماية البنية التحتية، وإطلاق صندوق جديد لتسريع الابتكار والاستثمار لتطوير التقنيات الناشئة والحفاظ على التفوق التكنولوجي للحلف وزيادة الإنفاق الدفاعي والاستثمار في القدرات الرئيسية، مع التعهد بالاستثمار الدفاعي لإنفاق ما لا يقل عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع سنوياً، وكذلك إقرار خطط دفاعية إقليمية جديدة، مع التقدير بأن هناك هدفاً مهماً لتأمين المساعدة الغربية لأوكرانيا – بصرف النظر عن العضوية - تحسباً لاحتمال فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية العام المقبل. الواضح إذن من مجمل مواقف دول «الناتو» ألا تأتي الوعود مباشرة من الحلف لكنها ستكون ثنائية، أو تشمل بعض الدول، وعلى رأسها دول مجموعة السبع، ولكن من المرجح أن تكون أيضا من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بدرجات مختلفة، وذلك في إطار إنشاء مجلس يضم حلف شمال الأطلسي وأوكرانيا.
وفي مقابل ما يجري في نطاق الأولويات المطروحة أمام حلف «الناتو»، جاءت بعض التطورات المفصلية، أهمها تصميم روسيا على توفير عناصر الأمان في ملف محطة زابوريجيا، وإعلان الرئيس الأوكراني زيلينسكي، بأن قمة «الناتو» ضرورية من أجل مستقبل أمن أوروبا، خاصة وأن أوكرانيا مُقدمة على إنتاج بعض ذخائرها للمدفعية، التي هي في حاجة ماسة إليها على خط المواجهة لحين حسم أمرها، وهو ما يتسق مع إعلان أمين عام حلف «الناتو»، ينس ستولتنبرغ، أن قادة الحلفاء أكدوا أن أوكرانيا ستصبح عضوا فيه مستقبلا، مع ضمان التشغيل الكامل بين الجيش الأوكراني وحلف الناتو، وإنشاء «مجلس الناتو وأوكرانيا»، وهو منصة استشارية للأزمات وهو ما يتعارض مع ما قاله منسق الاتصالات الإستراتيجية لمجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي بأن «أوكرانيا لا تفي بمتطلبات الناتو، وأن هناك شروطا معينة، وعلى كل عضو في الناتو الإيفاء بها».
وفي المجمل فإنه - وفي حال نفذت دول حلف «الناتو» إجراءات استفزازية في المرحلة المقبلة - فقد تواجه أوكرانيا خسائر إقليمية جديدة، وقد تدفع روسيا لشن هجوم نشط في أوكرانيا، قد يصل إلي أوديسا على اعتبار أن موسكو لا تسعى إلى تصعيد أكبر للصراع، الأمر الذي سيتطلب من دول «الناتو» الاستعداد المسبق لكل الخيارات المحتملة.
- آخر تحديث :
التعليقات