تبدو طريق أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) شائكة ومكلفة، حيث تسببت طموحاتُها الأوروبية وطلاقها من المعسكر الشرقي متمثلاً في روسيا وبعض دول الاتحاد السوفييتي السابق، وتوجهها نحو الغرب (تحديداً الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي)، في حرب طاحنة قد تستمر لسنوات، إذا لم تتبلور إرادة دولية لإنهائها ضمن صفقة تحقق مصالح الأطراف المتنازعة، بما فيها الولايات المتحدة التي تعد هذه الحرب أولوية بالنسبة لها، وقد كلفتها مليارات الدولارات ولا تزال تضخ المزيدَ من المساعدات العسكرية التي قد تؤدي فقط لإدامة الصرع ودفعه نحو مراحل أكثر خطراً.

وهذا بالتأكيد ليس من مصلحة أي طرف، فالمصلحة الحقيقية للجميع هي تحقيق السلم في هذه البقعة من العالم، وإنهاء الأزمة التي تؤثر بشكل كبير على دول شتى وعلى الاقتصاد العالمي برمته. قمة الأطلسي في ليتوانيا حملت عناوين عديدة، أبرزها إعطاء ضمانات لكييف في الانضمام للناتو مستقبلاً، لكن القادة لم يحددوا التوقيت وتركوا الباب مفتوحاً ومرتبطاً بأعضاء الحلف وقراراتهم المستقبلية، وهو أمر لم يرق للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنيسكي الذي يريد تحديد موعد قريب يربط بلاده بالناتو، ويعطيها الحصانةَ ضد أي تدخل أجنبي، لكن هذا أمر مستبعد، حيث إنه بمجر انضمام أي بلد للناتو سيكون ضمن منظومة الدفاع المشترك، التي تجعل من أي استهداف لبلد عضو في الحلف استهدافاً لجميع الأعضاء، ما يدفعهم للمشاركة في الدفاع عن ذلك البلد، وهذا غير واقعي وليس قابلاً للتطبيق في حالة أوكرانيا التي هي في حالة حرب مسبقة مع روسيا، ولا يمكن للغرب أن يصعد لاشتباك مع موسكو، لأن ذلك سيكون كارثياً على الصعيد العالمي ككل. لكن كييف لا تزال تسعى للحاق بالسويد التي تخلت عن موقعها الحيادي وتتجهز لدخول الحلف بعد الموافقة على ضمها لتكون الدولة الـ32 في الحلف، بعد فنلندا التي سبقتها ونجحت في تأكيد حصانتها ضد أي اعتداء مستقبلاً، فيما تريد أوكرانيا أن تكون العضو الـ33 وهو أمر لن يتحقق على المدى القريب.

الرئيس الأميركي لا يزال على دعمه لكييف، حيث أكد أن مجموعةَ السبع لن تتوقف عن دعم أوكرانيا، وأن ذلك الدعم سيستمر لفترة طويلة، وهذا يدفعنا للتفكير ملياً في هذه العبارة التي قد يكون فحواها أن الصراع الأوكراني الروسي سيستمر أكثر مما كان متوقعاً ولن ينتهي قريباً، وسيتحول لحرب استنزاف، على أقل تقدير، في ظل تمسك الأطراف بمواقفها وعدم الرغبة في الجلوس على طاولة حوار مشتركة.
وبدلاً من ذلك تستمر الوعود الغربية بزيادة الدعم العسكري ودفع المزيد من الأسلحة للمنطقة، حيث تريد واشنطن تزويد كييف بذخائر عنقودية، وهي أسلحة محظورة في دول أوروبية عدة، مما استدعى تحذيراً روسياً من هذه الخطوة.

نهاية الأزمة الأوكرانية لن تكون بزيادة الدعم العسكري ولا حتى بالتصعيد، وإنما حلها الوحيد يكون بالتفاوض ومحاولة تقريب المواقف بين روسيا وأوكرانيا، أي أنه يتعين تعزيز فرص السلام عن طريق وجود أطراف لها مصلحة فعلية في تحقيق حل دائم، لأن التصعيد الحالي خطير، وفي حالة تجاوز الخطوط الحمراء من أي طرف، فقد يقود ذلك إلى حرب مدمرة تطال دولاً عدة، وهو أمر قد لا يمكن إيقافه في حالة حدوثه.. لكل ذلك ينبغي التعويل على الأطراف التي لها مصلحة في إنهاء الصراع وتحقيق السلام.
*كاتب إماراتي