يسيطر عدم اليقين على أفق العلاقات بين القوى العالمية الكبرى الثلاث: الولايات المتحدة والصين وروسيا، لذلك ليس في مقدور أحد الآن أن يحسم الإجابة ب «نعم» أو «لا» بخصوص أسئلة كثيرة تتعلق بآفاق التلاقي أو الصدام بين هذه العواصم وخاصة بين الولايات المتحدة والصين؛ حيث إن العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا باتت محسومة في اتجاه «العداء».

من أبرز الأسئلة التي ما زالت إجاباتها غامضة السؤال عن: هل ستتيح قمة «أبيك» (منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا- المحيط الهادئ) المرتقب انعقادها في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية يومي السادس عشر والسابع عشر من الشهر المقبل فرصة لانعقاد قمة أمريكية- صينية بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن والصيني شي جين بينغ على نحو ما يأمل الرئيس الأمريكي- على نحو ما أعلن ذلك صراحة في مؤتمر صحفي يوم الجمعة الماضي أم أن الرئيس الصيني سيحبط هذا الطموح.

أما السؤال الثاني، فهو يخص العلاقات الروسية- الصينية وما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سيذهب إلى الصين للمشاركة في منتدى رفيع المستوى تستضيفه بكين حول «مبادرة الحزام والطريق» والتي ستعقد يومي الثلاثاء والأربعاء القادمين، أم أن العائق الذي حال دون حضوره قمة «بريكس» الأخيرة التي استضافتها جنوب إفريقيا في جوهانسبرغ وهو القرار الصادر من المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس الروسي، سيحول دون مشاركة بوتين في هذه القمة المهمة.

حضور بوتين ذلك المنتدى الصيني من عدمه سيجيب عن سؤال شديد الأهمية وهو: هل الولايات المتحدة تعتبر أحد المحددات المهمة للعلاقات الصينية- الروسية؟ بمعنى هل تضع الصين اعتبارات أمريكية لعلاقاتها مع روسيا؟

الرئيس بوتين سبق أن صرح في أحد لقاءاته الصحفية بأنه هو من قرر عدم الذهاب إلى جوهانسبرغ للمشاركة في قمة «بريكس»، وقال: «لم نرغب في إحراج الأصدقاء» أي أنه كان حريصاً على عدم تحميل دولة جنوب أفريقيا عبء تحدي قرار المحكمة الجنائية الدولية الذي يقضي بإلقاء القبض عليه بتهمة المسؤولية عن ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا.
وحضور الرئيس بوتين للمنتدى الصيني المشار إليه يعني أن الصين قررت، وبشجاعة، أن تتحدى ما يجرى تسميته ب«الإرادة الدولية» أي قرار المحكمة الجنائية الدولية المدعوم بقوة من الولايات المتحدة، أي أن الصين قررت أن تعلنها صريحة: «لا» لتسلط الأمريكي على القرار الدولي.
أما إذا تراجع بوتين عن نية المشاركة في هذا المنتدى للسبب نفسه الذي منعه من الذهاب إلى المشاركة في قمة «بريكس» وبعدها قمة الدول العشرين التي استضافتها الهند في نيودلهي (9-10/9/2023) فهذا يعني أن الصين ترى أن «الولايات المتحدة أولوية» في علاقاتها مع روسيا.

أما إذا تعمد الرئيس الصيني شي جين بينغ عدم قبول المشاركة في قمة ثنائية صينية- أمريكية مع الرئيس جو بايدن على هامش قمة «أبيك» فإن هذا يعني أمرين أولهما أن الصين تجاوزت في عداوتها للولايات المتحدة كل المحاولات الدبلوماسية الأمريكية للتهدئة بين البلدين، وثانيهما أن الصين صعدت من شراكتها الاستراتيجية مع روسيا، وأن التباينات في الرؤى بين موسكو وبكين حول قضايا، متعددة منها بالطبع قضية الموقف الصيني المحايد من الحرب الأوكرانية، قد توارت أمام محفزات التعاون بين القوتين الكبيرتين، وأن بكين أضحت أقرب إلى المفاهيم الروسية للصراع على قمة النظام العالمي مع الولايات المتحدة، خصوصاً تلك المفاهيم التي حرص الرئيس بوتين على تأكيدها يوم الخميس (5/10/2023) أمام اجتماع «فالدي» للحوار الذي عقد في سوتشي وخاصة المسعى ل«بناء نظام عالمي جديد» و«التصدي للغطرسة الأمريكية».

أما في حالة قبول الرئيس الصيني لدعوة الرئيس الأميريكي وحضور هذه القمة، فإن الصين عندها ستبدو حريصة على أن تكون لديها مسافة من الخصوصية في العلاقات مع موسكو مع التوافق على الأولويات والأهداف والشراكة الاستراتيجية والأمنية بين البلدين، في ذات الوقت عدم قطع طريق التفاهم الدبلوماسي مع واشنطن، لكن التعامل من منطلق «الندية» وعدم التفريط في أي من المصالح العليا الصينية، ولا في رؤيتها للولايات المتحدة التي وصفها مؤخراً بيان لوزارة الخارجية الصينية بأنها «إمبراطورية الأكاذيب» رداً على تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية اتهم بكين باستثمار مليارات الدولارات سنوياً في جهود التلاعب بالمعلومات.