تمثل استضافة دولة الإمارات العربية المتحدة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ «كوب 28»، حدثاً دولياً مهماً، لما للشأن المناخي من أهمية كبيرة لدى مختلف الدول، لأن تغيّر المناخ يؤثر في جميع الشعوب، من دون استثناء، فالكل سيغرق في لهيب قد يعمّ الأرض، ما لم يتم اتخاذ المبادرة من الجميع، من أجل تنظيم الانبعاثات الغازية، وضبطها عند المستوى الذي حدده مؤتمر باريس للمناخ، وهو درجة ونصف درجة مئوية.
وتسعى دولة الإمارات لأن تجعل «كوب 28» مؤتمراً للتنفيذ، وليس للتعهدات فحسب، من خلال استثمار المال والجهد في هذا الإطار. ويأتي هذا المؤتمر في ظرف دولي صعب للغاية، فقد تعقدت السياسات الدولية، وتضاربت مصالح الدول الكبرى، وتراجعت الدول الغنية عن تعهداتها المناخية؛ بسبب تراجع أحوالها الاقتصادية من جراء الحرب الاقتصادية المستعرة بين الأطراف الدولية الكبرى المتخاصمة، إضافة إلى الآثار المتراكمة جراء انتشار فيرس كورونا. غير أن ذلك لم يمنع دولة الإمارات، وقيادتها الحكيمة، من رسم مستقبل أفضل للبشرية جمعاء، فسياسة الدولة تقوم على أساس مبدأ الخير بمفهومه الشامل، وهذا ما يجعلها قادرة على لعب أدوار دولية كبيرة. فمختلف الدول تحترم موثوقيتها وصدقها، وتراها دولة مميزة على مستوى المنطقة، والعالم.
ومن هذا المنطلق تعمل دولة الإمارات على تكثيف جهودها للتعاون مع جميع دول العالم، بشكل شامل، وتوحيد جهود اقتصادات الدول المتطورة والناشئة، ومنظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، بهدف جعل «كوب 28» علامة فارقة في الجهد المناخي الدولي، ذلك أن تحويل خفض مستوى الكربون في دولة ما، من عبء كبير، بسبب عدم القدرة على تمويل مشاريع التقاط الكربون، إلى فرصة سانحة لها، عندما تستفيد من الجهد الدولي في تلك المشاريع، هو ما سيدفع مختلف الدول للإسراع في الانضمام إلى هذه الجهود.
ويسمح بروتوكول كيوتو لدولة متطورة بالتعويض عن انبعاثاتها من خلال تمويل مشاريع لخفض الانبعاثات في بلد فقير، عبر آليتين: الأولى، ثنائية بين الدول، والثانية، من خلال تمويل مشاريع، لكن من دون قيود جغرافية. والمبدأ الرئيسي هو تمويل خفض الانبعاثات في الدول التي تكون غير قادرة على ذلك. ويوفر تحقيق الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن الحالي فرصة استثمارية تصل إلى تريليونات الدولارات، وتقدّر «مؤسسة بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس»، في تقرير حديث، أن العالم يحتاج إلى ما يقرب من 7 تريليونات دولار سنوياً، لتحقيق الحياد الكربوني.
ويمكن للدول الغنية، إضافة إلى الشركات الكبرى، أن تصبح لاعباً كبيراً في سوق الكربون من خلال تعهد مشاريع رابحة في دول أخرى. وتمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة الإمكانات الضرورية لتصبح مركزاً عالمياً لإزالة الكربون. وفي هذا الصدد، فقد أعلن سوق أبوظبي العالمي، عن تحقيقه للحياد الكربوني كمؤسسة من خلال موازنة انبعاثات الكربون، وبالتالي تعزيز التزام سوق أبوظبي العالمي ببناء اقتصاد تقدمي، وأكثر استدامة.
ويأتي هذا التطور عقب قرار سوق أبوظبي العالمي الأخير، تحويل الدورة الرابعة من منتدى أبوظبي للتمويل المستدام إلى منصة وحدث محايد للكربون يعقد في دولة الإمارات. وللحصول على تصنيف محايد للكربون، اشترى سوق أبوظبي العالمي جميع أرصدة الكربون وسحبها من خلال مشروع «Rimba Raya»، أحد أعلى مشاريع برنامج الأمم المتحدة المعني بخفض الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات، وتدهورها، كما أطلقت المسرعات المستقلة للتغيّر المناخي «UICCA»، التي يقع مقرها الرئيسي في سوق أبوظبي العالمي، تحالف الإمارات للكربون، وهو مجموعة من الشركاء الذين يكرّسون جهودهم لدعم تطوير ونمو سوق للكربون في دولة الإمارات.
لا شك في أن هذه الجهود الجبارة التي تبذلها دولة الإمارات العربية المتحدة للحفاظ على البيئة، وتلك المشاريع التي تبعث الأمل في نهضة اقتصادية، وأمن بيئي، وغيرها من الخطوات التي تتخذها دولة الإمارات في هذين المجالين، تؤكد أن دولة الإمارات العربية المتحدة ماضية في خططها في دعم التوجه العالمي، لتحقيق حياد الكربون، ومساعدة الدول الأخرى على تحقيق أهداف مؤتمر الأطراف بشأن المناخ.
التعليقات