إذا أخفقت إسرائيل في تحقيق الأهداف التي وضعتها للحرب التي شنّتها ضد قطاع غزّة، فهذا لا يعني، موضوعيًّا، أنّ "حركة حماس" انتصرت، وإذا نجحت إسرائيل في إخراج "حركة حماس" من قطاع غزّة، في حرب تعود إلى الاشتعال بعد "الهدنة المؤقتة"، فهذا لا يعني مطلقًا أنّها انتصرت!

ولا يمكن لـ"حركة حماس" أن تتنصّل من مسؤوليّتها عن المصير المأوساوي الذي تسبّبت به لقطاع غزّة وسكانه، بفعل هجومها على غلاف غزة في السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، فهي قد تكون وفّرت ما يعينها على الصمود في الميدان الحربي، وفق خطط "حرب العصابات"، ولكنّها تركت الأطفال والنساء والشيوخ يواجهون أسوأ مصير، حتى بدا أنّ دماءهم التي أيقظت الرأي العام العالمي، هي السبيل الوحيد إلى إفشال مخططات إسرائيل.

و"حركة حماس" هذه، مهما كانت نتائج حرب "السيوف الحديديّة" التي تنوي إسرائيل مواصلتها بعد انتهاء "هدنة غزّة"، سوف تواجه مساءلة حقيقيّة عن الخسائر الكبرى التي كبّدتها للفلسطينيّين عمومًا ولأهل غزة خصوصًا، وسوف تكون هي و"محور المقاومة" أمام أسئلة جوهريّة عن التوازن الذي يفترض إقامته بين المسؤوليّة عن حياة الناس والحاجة إلى الانتصار.

وفي المقابل، فإنّ إسرائيل التي ارتدت ثوب الضحيّة في السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، تحوّلت، بنظر الحليف قبل العدو، إلى دولة متوحشة، بحيث تقدم مصالحها العسكرية على التزاماتها القانونيّة، وطموحاتها السياسيّة على حساب مراعاة الاتفاقيات الدوليّة.

ولن تستطيع إسرائيل، مهما كانت نتيجة الحرب التي تخوضها ضد غزة، أن تتجاوز وصمة العار التي لحقت بها، فدماء النساء والأطفال والشيوخ لا يعفو عليها لا الزمن ولا النصر ولا المصالح، خصوصًا أنّها دولة، لا تتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة قابلة للحياة فحسب بل تقدم إلى سدة الحكم فيها مجموعة من المجانين الذين يعتبرون أنّ الحل يكمن في تهجير شعب وإبادته واستعباده، أيضًا.

أمام هذا المشهد، فإنّ انتهاء الحرب في قطاع غزة الآن أو بعد شهرين، لن يُحدث أيّ فرق إلّا في أرقام الضحايا، ولهذا فإنّ الأنسب أن تستغل الدول العربيّة والغربيّة "الهدنة المؤقتة" من أجل تحويلها إلى وقف دائم لإطلاق النار.

ولكن ليحدث ذلك، ثمّة حاجة ملحة إلى "صنّاع سلام"، فالقمة العربيّة - الإسلاميّة الاستثنائية التي انعقدت في الرياض لا تقدم مخارج معقولة، تمامًا كسلوك الدول الكبرى التي تتناحر في مجلس الأمن الدولي، وقد تكون لبعضها، كروسيا على سبيل المثال لا الحصر، مصلحة في احتدام الحرب في غزة، لأنّها تُلهي الرأي العام عن حربها ضد أوكرانيا وتُثقل على الدول الغربيّة التعهدات بتزويد الجيش الأوكراني العنيد ما يحتاج إليه من ذخائر توفّر صموده، من جهة أولى، وتعينه على الهجوم المضاد، من جهة ثانية، وتشيطن الغرب.

إنّ حرب "السيوف الحديديّة" التي دامت ما يكفي من زمن لاستخلاص الدروس منها، تُظهر، بشكل لا لبس فيه، أنّ هناك، حتى إشعار آخر بعيد المدى، استحالتين: محو إسرائيل من الوجود، من ناحية، وإنهاء مطالبة الفلسطينيّين بحقوقهم المشروعة، من ناحية ثانية.

وهذا يعني أنّ إبقاء الكلمة العليا لحاملي هذين المطلبين في المنطقة كما في إسرائيل، سيبقي الجميع في حالة استنزاف خطرة، فحملة شعار محو إسرائيل، محوا فعليًا عافية الدول والكيانات التي يبسطون سيطرتهم عليها، في حين أنّ حملة شعار إنهاء الحياة في الشعب الفلسطيني جلبوا لإسرائيل الموت والهوان والضياع الوجودي.

ولذلك، تبرز الحاجة ملحة إلى صنّاع سلام تقتصر مهمتهم على عمليّة مشتركة واحدة: إبعاد الجمهوريّة الإسلامية في إيران عن فلسطين ومن يدور في فلكها من تنظيمات، وإبعاد مجانين اليمين الصهيوني المتطرّف عن إسرائيل ومن يتحالف معهم لتأبيد وجوده في السلطة.

وإذا لم تجد هذه الورشة المكلفة من يتولّى أمرها عند العرب وفي الغرب، فإنّ الموت سيبقى سيّد الشرق الأوسط إلى أن ينفض الله يده، بواحدة من معجزاته المنتظرة منذ زمن بعيد، من أدعياء شنّ الحروب باسمه!