هناك تحريم دولي لعمليَّة الإجهاض، وهو قانون إنسانيٌّ لحماية النَّفس البشريَّة، ويتماشى مع أحد المقاصد الخمسة في الشريعة الإسلاميَّة (حفظ الدِّين، وحفظ النَّفس، وحفظ المال، وحفظ العقل، وحفظ العِرض)، وهناك قضيَّة معلَّقة ومرتبطة وأساسيَّة بالنسبة للنَّفس البشريَّة، وعليها تنبني أحكام الإجهاض وهي: نفخ الروح في الجنين، وعلماء الأجنَّة بما أُتُوا من علم وتقنيات حديثة لم يستطيعُوا أنْ يحدِّدُوا بالضَّبط لحظةَ نفخ الرُّوح، أو تحديد ماهيَّتها، ذلك أنَّها تتداخل مع عناصر النَّفس والدِّماغ والقلب، وإنْ كان هناك تلمُّس ووقوفٌ على آثارها ومؤشِّرات للإعلان عن وجودها، إلَّا أنَّه يبقى قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)، يؤكِّد لنا أنَّ الرُّوح فعلًا من مجاهيل الأمور، ولكن هذه الأمور في معرفة كُنه الرُّوح، أمَّا تحديدُها ونفخُها وخروجُها من الجسم فإنَّ ذلك محلُّ الاسترشاد العلميِّ والبحثيِّ لا يقينًا، إنَّما آثار ومؤشِّرات، وأصدق ما قِيل في تحديد نفخها هو ما ورد في السُّنَّة النبويَّة في الحديث الصحيح، فيما رواه الإمامُ البخاريُّ وغيره عن عبدالله بن مسعود قال: حدَّثنَا رَسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال: «إنَّ أحدَكم يجمعُ خلقهُ في بطنِ أمِّهِ أربعينَ يومًا، ثمَّ يكونُ علقةً مثلَ ذلكَ، ثمَّ يكونُ مُضغةً مثلَ ذلكَ، ثمَّ يبعثُ اللهُ ملكًا يُؤمر بأربعِ كلماتٍ ويُقال له: اكتبْ رزقهُ وأجلهُ وعملهُ وشقيٌّ أو سعيدٌّ، ثمَّ يُنفخُ فيه الرُّوح»، وبناء على هذا الحديث فإنَّ تحريم الإجهاض يكون بعد أربعة أشهر تحريمًا مطلقًا؛ لاعتبار نفخ الرُّوح، ولا يجوز الإجهاض إلَّا إذا خِيفَ على حياةِ الأُمِّ من الموتِ أو تعرُّضها لخطرِ وأقرَّ الطبيبُ المختصُّ ذلك.

والحق الذي أراه من خلال تخصصي كعالم أجنة أنَّ تحريم الإجهاض يكون قبل وبعد الأربعة أشهر؛ لاعتبار أنَّ هناك مشروع نفس بشرية قد اكتملت من ناحية تأسيس وتكوين الأعضاء على شكل براعم عضوية، فالدماغ والقلب والأطراف وبقية تكوينات الجنين موجودة، فإجهاضه بدون سبب جريمة؛ لذلك كان التغليظ الشرعي والقانوني في تحريم الإجهاض عموماً قبل وبعد نفخ الروح.

عندما كنتُ أدرسُ في جامعة نوتنجهام ذكرَ أحد الزملاء وقتها بأنَّ زوجته حاملٌ بجنين مشوَّه، بناءً على كشف الطبيب، وأنَّ على زوجته أن تُسقط الجنين، فاستشارني، فأشرتُ عليه إنْ كانَ في عمرِ متقدِّم أي بعد أربعة أشهر فلا يجهضهُ، ويترك أمرَهُ للهِ، وإنْ كانَ عمره أقلَّ من ذلك، فليسأل عن ذلك أحدَ أهلِ العلم، فسأل فأشاروا عليه أنْ لا يجهضهُ فتركهُ، وواللهِ عندما وُلد هذا الطفلُ كان غايةً في الجَمال، وعندما كبرَ ورأيته محافظًا على جمالِهِ، إضافةً إلى شدَّة ذكائه؛ حتَّى أنَّني عندما رأيتُهُ قلتُ: تباركَ اللهُ أحسنُ الخَالقِين.

قد يقولُ البعضُ إنَّ علم الجينات متقدِّم جدًّا، وهناك تقنيات لتحديد جينات التشوُّهات الخَلقيَّة مبكِّرًا، وهذا صحيح.. لكن من طبيعة الخلايا الجنينيَّة أثناء النموِّ أنَّ لها القدرةَ على إصلاح ما قد يتوقَّع أنْ يحدث من تكوين غير طبيعيٍّ، بالإضافة إلى إمكانيَّة معالجتها، سواء تمَّت المعالجةُ في بطنِ الأُمِّ أو عند خروج الجنين، أو بعد بلوغه سنًّا معينًا، وهذا يساعد في درء التشوِّه بالعلاج، وليس الإسراع بالإجهاض، فالنَّفسُ البشريَّةُ مَن خَلَقها هو أعلمُ بها وبحياتها، وإمكانيَّة شفائها، أو بقائها في علَّةٍ تساير أمور الحياة، فيظلُّ فرقًا بين أنْ تقتلَ نفسًا في مهدها، وبين أن تكتشف جينات تسبِّب التشوُّه الخَلْقي يمكن معالجتها، ولأنَّ الإجهاض له أضرارٌ اجتماعيَّةٌ كبيرةٌ، وينتج عنه تسويقٌ لبيعِ الأعضاء، والتَّلاعب بحياة البشرِ، وإهانة النَّفسِ البشريَّةِ؛ لذلك جاء الشرعُ والأنظمةُ الدوليَّةُ بتحريمهِ ومنعهِ على الإطلاقِ، ولا إجهاضِ إلَّا مَا يُباحُ إجهاضهُ، ممثلًا في درءِ الموتِ عن الأُمِّ، أو الخوفِ على حياتِهَا من خطرٍ يحيطُ بها.