لم يبقَ أمام العالم الكثير من الوسائل لردع إسرائيل عما تقوم به، فسياسة إسرائيل لم تعد تراعي تلك الأصوات التي تدعوها إلى وقف الحرب والتوقف عن قتل المدنيين، وهي بذلك تضع العالم أمام خيارات وتحديات أخلاقية، وقد تكون حرب غزة هي المعول الذي سوف يهز النظام العالمي التقليدي، والسؤال المحتمل هنا يدور حول تأثير هذه الحرب وهل سوف تعمل إسرائيل على المساهمة في كسر باب من أبواب النظام العالمي.

الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الدولية بشتى أنواعها تواجه صعوبات كبرى في تحليل ماذا تريد إسرائيل؟ وإلى أين سوف تصل؟ وهل تخفي إسرائيل خططها عن العالم أم أنها تتورط بشكل تدريجي في أزمة وجودية؟ قبل أيام نشرت الفايننشال تايمز تقريراً قالت فيه إن إسرائيل تخطط لحرب طويلة ضد غزة قد تمتد لمدة عام أو أكثر يتم من خلالها القضاء على شخصيات فلسطينية تعتبرها إسرائيل هدفاً استراتيجياً، ولذلك فإن الحرب مؤهلة للتمدد أشهراً أخرى من الهجوم الإسرائيلي والذي سوف يُقتل فيه الكثير من المدنيين والأطفال والنساء.

الاستراتيجية الإسرائيلية وبلغة بسيطة هي (سياسة الشاي المغلي وقطع البسكويت) وهي فلسفة تستخدم القوة لكي تذيب قطع غزة المتناثرة تحت أقدام الجيش الإسرائيلي المتوحش، ولعل أهم المؤشرات على قطع البسكويت التي أتحدث عنها ما نشرته القوات الإسرائيلية لغزة وهي مقسمة إلى مربعات وقطع وكأنها تنتظر الإذابة في الشاي المغلي الذي تصنعه إسرائيل فوق النار التي أشعلتها في غزة.

النية الإسرائيلية هي الاستمرار في الهجوم وفق مراحل تنطلق من داخل شمال غزة إلى عمق جنوبها، السؤال الأهم ما الذي سوف تجنيه إسرائيل من قطع الكهرباء والماء والغذاء عن شعب غزة؟ وكيف يحقق ذلك انتصاراً لها، وهل قدمت إسرائيل خطة واضحة للقضاء على أعدائها وقادتهم في غزة؟ كل ما قدمته إسرائيل هو النوايا ولكن ليس الكيفية، كما أنها لم تقدم للعالم حتى اليوم ما يدعو إلى إنصافها في هذه الحرب.

الجميع ضد الإرهاب ولكن الجميع أيضاً ضد قتل المدنيين أو تهجيرهم أو إجبارهم على ترك منازلهم عبر تقسيم أرضهم إلى مربعات يتم توجيههم وكيف يتنقلون عبرها، لقد أصبح من الواضح أن الغزو الإسرائيلي ليس له استراتيجية خروج واضحة من غزة، وهناك قلق إقليمي ودولي أن تحدث مفاجآت قد تنقل الصراع في غزة إلى حرب إقليمية مع تلك الأخطاء الجسيمة التي ترتكبها إسرائيل عبر إظهار المدى الأبعد من العنف ضد المدنيين.

من الواضح أن استراتيجية إسرائيل هي تدمير البنية التحتية لغزة حتى ولو كان ذلك على حساب المدنيين والأطفال والشيوخ والنساء الذين سوف يدفعون حياتهم ثمناً لهذا التوجه الإسرائيلي، بجانب المخاطر المتوقعة من دفع سكان غزة إلى التجمع على حدها الجنوبي مما سوف يشكل أزمة من نوع مختلف يمكنها أن تغير معادلة الحرب بأكملها، هذا التهور الإسرائيلي يكشف بعمق أن إسرائيل وقيادتها ليس لديهم فكرة واضحة عما سوف يبدو عليه مستقبل ما بعد الحرب، وهذا يعكس بوضوح أن إسرائيل التي تقول عن حربها على غزة بأنها من أجل القضاء على الإرهاب، ولكن على الجانب الآخر ليس هناك استراتيجية للكيفية التي سوف تخرج بها إسرائيل من غزة وعن خطط ما بعد الحرب.

السؤال الأخير الذي يدور على الساحة الدولية: هل تستطيع إسرائيل فعلياً تحقيق أهدافها الطموحة في القضاء على أعدائها في غزة وهي تدرك أن غزة بأكملها خاضعة لهم؟ كيف سنعرف أن الحرب انتهت؟ وما المؤشرات التي يجب علينا أن ننتظرها لكي نقول ذلك؟ التفكك والتدهور الاجتماعي والفوضى في غزة هي النتيجة النهائية، فهل سيكون ذلك مبرراً لإسرائيل كي تحتل أرضاً جديدة من الأراضي الفلسطينية؟ في نهاية المطاف سوف يعجز الشاي المغلي الذي تستخدمه إسرائيل اليوم في إذابة قطع البسكويت التي رسمتها فوق خارطة غزة، السيناريو المحتمل أن تتحول هذه القطع إلى قطع من الأحجار الصلبة التي يصعب إذابتها عسكرياً.

الحقيقة التي تعرفها إسرائيل بعمق أنها لن تتمكن من السيطرة على غزة كما تفعل في الضفة الغربية، ولن تتمكن إسرائيل من القضاء على أعدائها في غزة بهذه الطريقة، هذه حقيقة بدت واضحة من اليوم الأول للحرب، ولذلك هي تريد مزيداً من قطع البسكويت المتفرقة في داخل قطاع غزة بحيث يمكّنها ذلك من الحد من تحركات أعدائها في غزة، البدائل المطروحة في غزة أمام الجيش الإسرائيلي لجعلها منطقة مستقرة من جديد تكاد تكون مستحيلة لأن سيناريوهات مشاركة إقليمية في غزة هي ضرب من الخيال السياسي، وقف الحرب هو الخيار الأمثل أمام إسرائيل.