كتبت الروائية المصرية أهداف سويف في الغارديان البريطانية تقول: "أمام مقر اتحاد الصحفيين في وسط القاهرة، كانت امرأة ترفع يافطة يوم الخميس عليها صورة ثمانية أطفال رضع ملفوفين في رزم خضراء صغيرة، أربعة منهم ملفوفون في حفاضاتهم فقط. وجميعهم موتى. المرأة بجانبها كانت تضم رضيعها، وتقفز هاتفة 'افتحوا معبر رفح'. كان عددنا يقارب المئة".

وتعزو الكاتبة سبب قلة عدد المشاركين إلى الحظر الرسمي للتظاهرات في مصر، الساري المفعول منذ شهر نوفمبر/تشرين ثاني عام 2013. حيث كتبت تقول إن احتجاجاً من مئة شخص لا يبدو شيئاً مقارنة بعشرات الآلاف ممن يتظاهرون في المدن في جميع أنحاء العالم. لكن في مصر، تم حظر الاحتجاجات في تشرين الثاني / نوفمبر 2013؛ وثمة حالياً 57 شخصاً شاركوا في الاحتجاجات بعد 7 تشرين الأول / أكتوبر رهن الاحتجاز على ذمة التحقيق.

وهي تضيف أن الجميع كانوا يتظاهرون من أجل غزة وفي نفس الوقت يطالبون بحق الاحتجاج، وكانت هتافاتهم تردد صدى ما يقال في البيوت والشوارع.

وتقول الكاتبة إن وسائل التواصل الاجتماعي تعكس مشاعر المصريين الحقيقية، فاللقطات القادمة من غزة تنتشر عبر تيك توك وإنستاغرام كالنار في الهشيم: امرأة تبحث عن طفل "شعره أجعد"، وجد يحمل جسد حفيدته، ومثلث أحمر اللون يومض على الشاشة ليوجه المشاهد إلى انطلاق القذيفة أو الصاروخ الذي يستهدف دبابة إسرائيلية من طراز "ميركافا".

ومن المظاهر الأخرى التي تعكس الروح السائدة سائقو سيارات الأجرة لشركة "أوبر" الذين لا يشغلون عداداتهم حين يلتقطون راكبا فلسطينيا، والمساعدات التي تتدفق إلى المراكز الخاصة التي أنشئت لهذا الغرض، رغم صعوبة الأوضاع الاقتصادية.

وترى سويف أن كل هذا يتعامل مع الجوانب الإنسانية للوضع، أما الوضع السياسي الذي أدى إلى كل ذلك فلا يمكن التعامل معه إلا من خلال الدول والمنطمات الدولية.

وترى سويف أن الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 هي التي أيقظت في المصريين الإحساس بالحاجة للحرية والديمقراطية، وأدت لخروج احتجاجات إلى الشوارع، ثم انفجرت الشرارة بعد عقد من الزمان تقريبا (عام 2011). حينها كتبت: "في كل بلد عربي حيث ينتفض الشعب للمطالبة بحقوقه يطالبون بحقوق الفلسطينيين أيضا"، فالناس يعرفون أنه لا يمكن فصل حقوق الفلسطينيين عن حقوق المواطنين في باقي أنحاء العالم العربي.

ويعلم الناس أن حقوق الفلسطينيين لا يمكن فصلها عن حقوق بقية العالم العربي. والآن، بعد هزيمة الثورة ووجود أكثر من 60 ألف سجين سياسي في السجون المصرية، تأتي ثورة فلسطينية أخرى لتوعية جيل جديد وإزعاج من هم في السلطة.

وقالت إنه في الواقع، ربما للمرة الأولى منذ 12 عاما، يبدو أن الشعب المصري وحكومته متفقان على عدم تهجير الفلسطينيين، والسماح بدخول المساعدات الكافية إلى غزة، ووضع حد للقصف الإسرائيلي. لكن أبعد من ذلك، يريد الشعب رفع الحصار بشكل كامل، وأن تكون رفح حدودا «ناعمة» بين الأصدقاء.

ووصفت كيف يوجد هناك الكثير من الألم في رفح، المدينة التي قسمت إلى نصفين في اتفاق السلام عام 1979 الذي أعاد سيناء من إسرائيل إلى مصر؛ وتم فصل العائلات في رفح بالأسلاك الشائكة، وتم تجريف الحقول والبساتين لإقامة الحدود. والآن، على الرغم من أن المعبر يسيطر عليه مبنى رسمي للمطار، إلا أن الدافع المستمر من الجانبين هو اختراقه وتضميد التمزق: “بيننا وبين عائلاتنا معبر / لماذا يجب أن يتحكم الصهاينة في معبرنا؟”.

وقالت إن أحدا في مصر لم يتفاجأ من حرب إسرائيل. والمفاجأة هي مدى سهولة توافق الولايات المتحدة وأوروبا مع هذا الوضع ــ وكيف يستمران على هذا المسار مع ارتفاع عدد الضحايا وسقوط المدن. رد الفعل هنا جعل من كلمة “المقاطعة” كلمة مألوفة. يحتاج الناس إلى القيام بشيء ما – والمقاطعة شيء يمكن للجميع القيام به. وفي مجموعات الفيسبوك، وفي المحلات التجارية ومراكز التسوق، يبحث الناس عن بدائل محلية لما كانوا يشترونه من قبل.

وبينت سويف أن ما أدركه الجنوب العالمي منذ 100 عام، يفهمه سكان الشمال العالمي الآن: أن الصهاينة يريدون كل الأرض، دون أي جزء من الشعب الفلسطيني، ولن يتوقفوا عند أي شيء للحصول عليها. لقد أصبح الناس يدركون أن حكوماتهم المنتخبة ديمقراطيا ظلت لعقود من الزمن تساعد وتحرض إسرائيل على تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم، في حين قامت وسائل الإعلام الخاصة بهم بالتشويش على ذلك. ماذا يخبرهم ذلك عن أنظمتهم والقيم التي يعلنونها؟

وقالت إنه في هذا الوقت الذي يتسم بالخطر الجسيم، عندما يحشد الكبار والصغار من أجل المناخ ضد المصالح القوية، عندما تستولي الحكومات اليمينية على السلطة، عندما يخون اليسار قيم اليسار – إذا أظهرت إسرائيل أنه لا توجد عواقب للفصل العنصري والإبادة الجماعية والتهجير القسري، كيف يمكن لأي شخص أن يشعر بالأمان؟ ويبدو أن الناس الآن، أخيرا، أدركوا أن الحقوق الفلسطينية لا يمكن فصلها عن حقوق العالم أجمع.