بعد تأجيل ونقاشات مطولة، قررت "أوبك+" أخيرا إجراء مزيد من التخفيضات في إنتاج النفط في 2024. حيث، أعلنت المجموعة، الخميس الماضي، تخفيضات طوعية للفصل الأول تصل إلى 2.2 مليون برميل يوميا. وهذا يعني تمديد التخفيض الذي تم تنفيذه بالفعل بمقدار 1.3 مليون برميل يوميا وخفض إضافي قدره 0.9 مليون برميل يوميا. بذلك يصل إجمالي التخفيضات التي تعهدت بها "أوبك+" إلى نحو خمسة ملايين برميل يوميا. ويعكس إنتاج المجموعة البالغ نحو 43 مليون برميل يوميا بالفعل هذه التخفيضات التي تهدف إلى دعم الأسعار وتحقيق الاستقرار في السوق. يأتي تركيز التحالف على خفض الإنتاج في ظل انخفاض الأسعار التي سبق أن وصلت إلى 98 دولارا للبرميل في أواخر سبتمبر، فضلا عن تزايد المخاوف بشأن ضعف النمو الاقتصادي في 2024 والتوقعات بوجود فائض في الإمدادات.
وقال أكبر المنتجين في "أوبك+"، بما في ذلك المملكة، روسيا، الكويت، كازاخستان والجزائر، إن التخفيضات الطوعية يمكن التخلص منها تدريجيا بعد الربع الأول إذا سمحت ظروف السوق بذلك. ولم يتم توضيح المقصود بهذه الشروط، لكن هذا التصريح ترك انطباعا هبوطيا في السوق. بالفعل، كان رد فعل السوق على بيان المجموعة ضعيفا، حيث تخلت العقود الآجلة لخام برنت عن مكاسبها السابقة لتنتهي عند 82.85 دولار للبرميل، الخميس الماضي، بانخفاض طفيف عن الإغلاق السابق البالغ 83.10 دولار. واستمر تراجع العقود الآجلة لمزيج برنت في تعاملات الجمعة إلى ما دون 80 دولارا للبرميل، مع تقييم الأسواق نتائج اجتماع "أوبك+"، التي اتفق بعض أعضائها على خفض الإنتاج بشكل طوعي وليس على مستوى المجموعة ككل. من المرجح أن تعكس حركة السعر وجهة نظر السوق بأن إجراء التحالف ربما لا يكون كافيا لتشديد توازن العرض والطلب العالمي في الربع الأول بما يكفي لإثارة الارتفاع. وقد يظهر أيضا درجة معينة من التشكك في طبيعة التخفيضات الطوعية الإضافية، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان سيتم تنفيذها بالفعل بالكامل.
وتضمن الاتفاق النهائي خفضا طوعيا من قبل ستة أعضاء، إضافة إلى المملكة وروسيا. حيث، مددت المملكة تخفيضها الطوعي بمقدار مليون برميل يوميا، كما كان متوقعا على نطاق واسع. إضافة إلى ذلك، وافقت روسيا على خفض صادراتها بمقدار 500 ألف برميل يوميا، مقسمة بين 300 ألف من الخام و200 ألف برميل يوميا من المنتجات. واتفق ستة آخرون في التحالف بشكل جماعي على خفض إضافي قدره 693 ألف برميل يوميا، إضافة إلى التزاماتهم الحالية: العراق (220 ألف برميل يوميا)، الإمارات (163 ألف برميل يوميا)، الكويت (135 ألف برميل يوميا)، كازاخستان (82 ألف برميل يوميا)، الجزائر (51 ألف برميل يوميا)، وعمان (42 ألف برميل يوميا).
وأكد الوزراء الذين حضروا الاجتماع الافتراضي التزامهم بالاتفاق المتفق عليه في يونيو، الذي يتضمن خفضا جماعيا قدره مليونا برميل يوميا تم الاتفاق عليه في أكتوبر 2022، و1.66 مليون من التخفيضات الطوعية التي تعهد بها تسعة أعضاء في أبريل.
وفي إطار حصص "أوبك+" الرئيسة، تم أيضا تعديل مستويات إنتاج النفط 2024 بالنسبة إلى الدول الإفريقية: أنجولا (1.11 بدلا من 1.28 مليون برميل يوميا)، والكونغو (277 بدلا من 276 ألف برميل يوميا)، ونيجيريا (1.5 بدلا من 1.28 مليون برميل يوميا). ونظرا إلى أن أنجولا كانت تنتج بالفعل أقل من الحصة المقررة، فإن الإنتاج في إفريقيا سيظل على المستوى نفسه، بل ربما يزيد قليلا، إذا تمكنت نيجيريا حقا من تحقيق هذا الهدف.
من جهة أخرى، أعلنت "أوبك+" انضمام البرازيل إلى التحالف النفطي بدءا من يناير 2024، بحسب بيان الاجتماع الوزاري الـ36 لدول المجموعة. وهي واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، ويبلغ مستوى إنتاجها الحالي 3.7 مليون برميل يوميا، وهو ما يعادل تقريبا إنتاج الإمارات، إيران، والعراق. ولن تشارك البرازيل بعد في اتفاق خفض الإنتاج. لكن يمكن في المستقبل. ومن خلال انضمام العضو الـ24، تأمل "أوبك+" في التأثير بشكل أكبر في سوق النفط التي تسيطر فيها على ما يقرب من 60 في المائة من حجم الإنتاج. خاصة أن البرازيل من الدول القليلة التي يتزايد إنتاجها. من ناحية أخرى، بالنسبة إلى البرازيل، كونها جزءا من التحالف سيعني احترام سقف الإنتاج، بينما لا تزال لديها مشاريع جديدة قيد التطوير.
في الواقع، يهدف قرار "أوبك+" الأخير إلى التأكد من عدم ارتفاع مستويات المخزون في الربع الأول من العام، حيث من المتوقع أن يتباطأ الطلب. ولو لم تمدد المملكة تخفيضاتها الطوعية، لكانت المخزونات قد زادت بنحو 1.5 مليون برميل يوميا في الربع الأول. على الرغم من تمديد الخفض، إلا أن الربع الأول قد يواجه فائضا في العرض قدره 500 ألف برميل يوميا. ومن شأن التخفيضات الطوعية التي أعلنت الخميس الماضي أن تؤدي إلى تآكل هذا الفائض، ما يجعل الأسواق في حالة توازن أفضل. وإذا تم تمديد تخفيضات الربع الأول إلى الربع الثاني، فستواجه السوق عجزا كبيرا.
في الوقت الحالي، من المتوقع أن يكون الطلب على النفط في الربع الأول من 2024 متواضعا للغاية، وذلك بسبب تباطؤ الطلب العالمي، وحقيقة أن عديدا من الاقتصادات الرئيسة، مثل الصين، لا تزال تكافح من أجل التعافي بشكل كاف. ومن المرجح أيضا أن يكون للدفع المتزايد نحو تحول الطاقة، وتعزيز الأهداف المناخية في قمة الأطراف COP28، تأثير إضافي في الطلب على النفط. لكن، العوامل الجيوسياسية الحالية، مثل الأزمة الأوكرانية والصراع في الشرق الأوسط، ستكون عوامل رئيسة تحدد العرض والطلب على النفط في الأشهر المقبلة. على الرغم من أن الأسواق قد أخذت في الحسبان إلى حد كبير آثار هذه العوامل، إلا أن أي تغيير من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من صدمات الأسعار ومشكلات سلسلة التوريد في أسواق النفط.
التعليقات