أقيمت في المملكة القمة العالمية الأولى لإطالة العمر الصحي، وكان ذلك خلال الفترة ما بين يومي 29 و30 نوفمبر هذا العام، ويأتي السابق ضمن مجهودات مؤسسة هيفولوشن الخيرية السعودية، والتي خصصت مئتي مليون دولار، لتمويل قطاع الشيخوخة الصحية على مستوى العالم، والتجمع الجديد استهدف تعزيز الحوارات العلمية الفاعلة، وتحفيز الابتكارات والآليات في هذا المجال، إلى جانب التبادل المعرفي وتوسيع دائرة ريادة الأعمال والاستثمارات الذكية، وأشارت دراسة علمية نشرت في عام 2016، إلى أن 25% من أعمار الناس، تحددها الجينات والعوامل الوراثية، والبقية مرهونة بأنماط وأساليب الحياة والمعيشة، وبالأخص العادات الغذائية، وقد أكد اليوناني ابقراط المعروف بابو الطب، في عام 440 قبل الميلاد، على أهمية الأطعمة ومنفعتها كدواء، ثم جاءت مجموعة كبيرة من الأبحاث والدراسات الحديثة لتصادق على مقولته.

فقد لاحظ فريق بحثي من جامعة بيرغن النرويجية، في دراسة أجريت على قرابة 470 ألف شخص، بين 2006 و2023، إلى وجود زيادة في أعمار الرجال والنساء، فوق الأربعين، وبمتوسط تسعة أعوام إضافية، لأنهم غيروا أنماط غذائهم السيئ إلى نمط صحي، وارتفع المتوسط إلى عشرة أعوام، عند استبداله بالأسماك والفواكه والخضروات، وإحلال الحبوب الكاملة والمكسرات محلها، وقالت إنه يمكن زيادة إعمار من تخطوا السبعين، بنفس الأسلوب، وبمتوسط خمسة أعوام كحد أقصى، واللافت ما أشارت إليه دراسة أميركية حول الحدائق والمساحات الخضراء، وأن مجاورتها أو زيارتها بانتظام، تسهم في إبطاء الشيخوخة، وفي تحسين صحة القلب والأوعية الدموية، وفي إنقاص العمر البيولوجي لجسم الإنسان بمعدل عامين ونصف، وحتى دخول الهواء الساخن إلى الرئتين، أو ملامسته للبشرة في (الساونا)، أو الغطس في الماء شديد البرودة، يحفز الجينات المقاومة للتقدم في السن.

نسبة من تزيد أعمارهم على 100 عام لا تزيد على 3%، مهما كانت حياتهم مثالية، وكل الناس معرضون للإصابة بالسرطان بنسبة 6%، وما يحاول المختصون الوصول إليه، هو توفير جودة حياة للأشخاص من الولادة إلى الوفاة، بلا منغصات او امراض، أو ما يعرف بـ(ضغط نطاق المرض)، وتحديدا علاج الأمراض المزمنة، أو تأخير ظهورها، والعمل على إبطاء عملية الشيخوخة، وليس على إطالة العمر، لأنه بمواصفاته الحالية، سيبدأ في التداعي حتما، بمجرد وصوله البيولوجي لسن 120 عاماً، وسوق اطالة إلعمر، بهذا المفهوم، ستصل قيمتها إلى 600 مليار دولار في 2025، ووجهت صحيفة الغارديان البريطانية، سؤالاً إلى الشباب الإنجليزي، حول من لديه الرغبة في الحياة إلى سن المئة، والعجيب أن نسبة من قبلوا بالفكرة ممن سئلوا كانت في حدود 35%، ربما لأنهم لا يرغبون في نهاية مأساوية على طريقة (صورة دوريان غراي) في رواية أوسكار وايلد المعروفة، بينما نجد بعض العرب المسلمين يتمسكون بالحياة وبالناس، وكأنهم يعيشون آخر محطاتهم.

بخلاف وجود جهود لصناعة (روبوتات متناهية الصغر) يتم حقنها في الدم، وتعمل على حراسة كل خلية في جسم الإنسان، وحمايتها من أسباب التقدم في العمر، وبما يؤجل وصولها إلى الشيخوخة، وهذه الروبوتات تم استخدامها في العام الحالي، لإيصال أدوية لخلايا سرطانية، ونشرت صحيفة الديلي ميل البريطانية، تصريحا لكورزواي العالم في الذكاء الاصطناعي، ورئيس قسم الهندسة في غوغل، قال فيه إنه واعتبارا من عام 2030، ستكون هذه التقنية متاحة لكل أحد، وسترفع معدل الأعمار بمقدار عام واحد في كل عام، وبإجمالي عام إضافي لكامل العمر البيولوجي المتوقع، إلا أن تكلفة روبوتات غوغل عالية، والمعنى أنها ستكون مقصورة على الميسورين وأصحاب الملايين.

الأصعب تمكن باحثي مشروع (أوبن وورم) من محاكاة الوصلات العصبية لمخ الدودة الأسطوانية، ووضعه في برنامج كمبيوتر داخل روبوت مصنوغ من مكعبات الليغو، والمفاجأة أنه بدأ يتصرف وكأنه دودة اسطوانية، ما طرح فكرة نقل الوعي البشري بذات الطريقة، بمعنى عمل نسخة من محتوى مخ الإنسان بمكوناته الكاملة، ووضعها في (يو اس بي) لاستخدامها في روبوت مشابه، والمسألة ليست سهلة مثلما تبدو، فمخ الدودة الاسطوانية لا يحتوي إلا على 302 وصلة عصبية، بينما المخ البشري فيه مئة ترليون وصلة، وما سبق أكثر من نجوم درب التبانة، والتي يمثل كوكب الأرض نقطة مجهرية فيها، ولا اتصور تنفيذ محاكاة بشرية لها في المستقبل القريب.

توصلت دراسة أجريت على ثلاثة آلاف شخص عام 2022، في جامعة سيدني الأسترالية، أن اتباع نظام غذائي عالي البروتين، يزيد من خطر الموت المبكر بنسبة 74%، ومن وجهة النظر الاقتصادية، زيادة أعمار الناس لعام واحد، ستضيف للاقتصاد العالمي حوالي 86 ترليون دولار سنوياً، والعكس سيؤدي لخسارة مماثلة، ولا بد من حلول واقعية لمواجهتها، والحد من الشيخوخة المبكرة أو المكلفة، ومن العادات الغذائية السيئة، ووفياتها التي تصل إلى 11 مليونا في العام، وبحيث تكون مرجعيتها قمة إطالة العمر الأخيرة في الرياض.