في الوقت الذي دعت فيه الكاتبة الدكتورة منى العتيبي لتشجيع ودعم الجهود التي تهدف إلى الاستدامة الأدبية في مقالها الأخير بذات المفهوم، عدت إلى كتابها الذي يحمل عنوان تنمويات وبدأت بقراءته ووجدت الكثير من الأفكار التي تناقش ثلاثة محاور هامة في الاستدامة (القيادة والإدارة والثقافة المجتمعية والتطوير والتنمية) ورغم أن الكتاب يجمع عددا من مقالات الكاتبة، إلا أنه ظهر بصورة مترابطة ومعان متدفقة تثري المسؤول والمهتم بفكرة الاستدامة، لعل من أكثر الأفكار التي استوقفتني فيه مراجعات القيادة هو فكرة "الصف الثالث والأخير" الذي يشير لتورط الكثير من المنظومات في خلق صفوف قادة وتحقيق التوازن بين الأول والثاني والثالث بل خطورة أبعاد القادة داخل المنظمة من المشاركة في اتخاذ القرار، وأجد أن الاستدامة الإدارية تنطلق من هذه الركائز الأساسية: قائد وتابع وأهداف ومواقف تنصهر في التفاعل وتنتحر في الجمود.

أشاطر الزميلة أيضا في رؤيتها للجانب الاجتماعي كما أن دعم الأسرة ورفع الوعي المجتمعي أصبح بالفعل علامة سعودية ونجاح الأجهزة الأمنية والاجتماعية في ترسية مفاهيم الحقوق والأسرة تجعلنا رغم الظروف المحيطة من هجمات تقنية وحملات لا أخلاقية وترندات مسمومة نتفاءل قليلا بأن تستمر هذه الكيانات المجتمعية بآمان وسلام. وفي سياق السلام فالكاتبة لم تنس أن تحذر من باعة السلام! ومن يسوقون تجاربهم ومشاعرهم على أنها حقيقة في السلام الداخلي ومنهج علمي! وأجد أن حاجة المجتمعات لفهم أنفسها وطبائعها لا يتحقق إلا من خلال مراجعة الخطابات المجتمعية وبالتحديد ما ينشر من صناع الرأي الحقيقيين.

المملكة اليوم تعيش التنمية كواقع بل تصدر مفاهيم الاستدامة كممارسات سواء في الاقتصاد أو التعليم والفكر والمعرفة، نشاهد هذا الزخم من قامات وطنية وأقلام رصينة وحق لنا أن نشيد بالكتاب السعوديين وإنجازاتهم المعرفية وما يحصدونه في سنوات من مواجهات الرأي وصناعته من جهة، ومواجهات مع العقول التقليدية ومن يرون أن الصمت والتذمر هو الأساس في التعاطي مع المستجدات والتحولات، من أكثر الأمور التي كنا نناقشها مع أساتذتنا الإنجليز في الكتابة هو "النبرة" وكيف على الكاتب أن يهذب نبرته حتى لا يخسر فكرته، في كتابات الدكتورة منى والكثير من الزملاء والزميلات أجد هذه النبرة الرزينة والفكر الوطني الإيجابي والذي يفند ويحلل ويحتفل بكل منجزاتنا التي لا تعد ولا تحصى.

"استدامة الرأي" هي الإرث الحقيقي للكاتب، في نهاية المطاف أنت ترحل لكن أفكارك تبقى خالدة سواء كانت في كتاب أو صحيفة مطبوعة أو حتى موقع إلكتروني لم تعد هذه معضلة. المعضلة الحقيقية حينما يتجاوز الكتاب الزمن أو يتجاوزهم الزمن، لذا من المهم أن تعاد هيكلة الكتابة كحرفة وبمشروع إنساني حقيقي، فما المحتوى دون كتاب؟ بل شاهدنا كيف ينفر الكثير من المشاهدين من بعض الأعمال الفنية بسبب ضعف الرواية أو الحبكة، شخصيا أحرص أن لا تغادر أي طالبة من نطاق تدريسي قبل أن تنشر مقالا في الصحف، ووجدت أن هذه الفكرة غيرت الكثير في تفكير الطالبات بل منحت نفسي الفرصة في خلق صفوف جديدة من الكاتبات الوطنيات ولا زلنا بحاجة للمزيد والمزيد والقادم أجمل.