في عام 2023 صدر كتاب «النزوح العظيم» للصحفي الأميركي «جيك بيتل»، وهو كتاب يحذّر من عواقب تغيّر المناخ، والاندفاع نحو «جغرافيا بشرية جديدة» ستكون بالغة القسوة على حياة الإنسان.
في الخمسين سنة الماضية نزح عدد كبير من البشر من مواطنهم إلى مواقع جديدة بسبب تغير المناخ، وفي الخمسين القادمة سينزح الملايين في الولايات المتحدة وحدها. وستكون تلك الهجرة المناخية الأكبر في تاريخ أميركا، ففي عام 2070 سيعاني أكثر من (160) مليون أميركي من سوء الطقس وتدهور البيئة. سينزح بعضهم بسبب الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، وسينزح البعض الآخر بسبب الأعاصير المدمرة، حيث سيغادر نحو (13) مليون أميركي السواحل بعد ارتفاع مستوى مياه البحر، وغرق مساحات واسعة.
حسب الكتاب.. ستعاني الولايات المتحدة من ولاية لويزيانا نصف الغارقة إلى ولاية كاليفورنيا المحترقة، ومن جفاف الحقول في أريزونا إلى غرق المنخفضات في نورث كارولينا. وسوف يشكل ذلك كله إعادة تشكيل لجغرافيا الولايات المتحدة.
في عام 2023 شهدت ولاية تكساس درجات حرارة قياسية، وصلت في أحيان عديدة إلى (48) درجة مئوية، ومع الحرارة المرتفعة درجة رطوبة غير مسبوقة.
حسب العلماء فإن «القبة الحرارية» فوق جنوب الولايات المتحدة، والتي تشكلت بسبب الهواء الساخن فوق المحيط، والذي أسفر عن دفء غير عادي لمياه خليج المكسيك.. هي التي تقف وراء ذلك التدهور المناخي. لقد فقد العديد حياتهم بسبب تلك الحرارة الشديدة، وعانت الأسر غير القادرة على شراء أجهزة التكييف، حتى أن بعض عمال المطاعم قاموا بالإضراب عن العمل بسبب تعطل أجهزة التكييف، وعدم احتمالهم العمل في مطابخ ومواقع داخلية خانقة.
إن وصف الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو جوتيريش مجمل ذلك التفاقم في الأزمة بـ«الانهيار المناخي» كان دقيقاً، ولقد عبّرت كلمته في قمة المناخ «كوب 28» في دولة الإمارات العربية المتحدة عن مخاوف الإنسانية بذلك التهديد الوجودي لكوكبنا.
لقد تعددت تطبيقات ذلك الانهيار المناخي في نواحي عديدة، وبدَا العالم وكأنه يستعد لموجة كبيرة من «الأمراض الجديدة».. وهي الأمراض التي لطالما توطنت في مناطق بعينها، ثم إذا بها تنتقل مع تغير المناخ إلى مواقع أخرى. وليس انتقال البعوض وقيامه بنقل الأمراض سوى واحدٍ من مظاهر تلك الموجة المفزعة.
من هنا كان التقدير العالمي لذلك الحدث الكبير «إعلان الإمارات للمناخ والصحة» وهو الإعلان الذي تأسس بالشراكة مع مصر والبرازيل وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة ودول أخرى، وقد قدمت أكثر من (120) دولة تعهداً بالتوقيع عليه.
ثمّة إنجاز آخر افتتح به «كوب 28» في دولة الإمارات أعماله وهو إنشاء «صندوق الخسائر والأضرار»، وهو الصندوق الذي طال انتظاره منذ اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ عام 1992.
كان قد تم الاتفاق على الصندوق في «كوب 27» في مصر، وجاء قرار إنشائه - أخيراً - في «كوب 28». أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً، وسيظل إنشاء الصندوق، وصدور إعلان الإمارات للمناخ والصحة.. حدثيْن فارقيْن في تاريخ مؤتمرات الأمم المتحدة للمناخ.. ودفعة قوية لتعزيز الأمل.
*كاتب مصري