لا غرابة في أن ينشأ جدل سياسي في المجتمع الكويتي المشهود له بالحيوية والقدرة على التعاطي الإيجابي مع كل المسائل التي تخص الوطن، ولذلك فمن المنطقي أن يثير قرار العفو عن بعض الأسماء في الكويت بإلغاء العقوبة المقيدة لحريتهم جراء جرائم ارتكبوها استهدفت تماسك النسيج الاجتماعي الكويتي وطالت مملكة البحرين ومجتمعها شيئًا من الجدل الرصين والحاد أحيانًا بين معارضي هذا القرار وداعميه.

وهذا الجدل في اعتقادي يبقى شأنًا كويتيًا داخليًا، ولا يحق لكائن من كان من خارج الكويت أن يعترض على قرار العفو هذا؛ لأنه ببساطة قرار سيادي نابع من رؤية أميرية حصيفة ترى ما لا يراه عامة الناس وتتحرى مصالح الكويت وأمنها الداخلي شاء ذلك من شاء وأبى من أبى. أمير الكويت رأى أن من مصلحة العقد الاجتماعي في المجتمع الكويتي ومن منطلق المحافظة على قوة هذا المجتمع وتماسك نسيجه الاجتماعي أن يتم هذا العفو؛ لتثبيت مسيرة الكويت الديمقراطية وإعطائها زخمًا تواصل معه وبه مسيرة البناء والتنمية التي انطلقت منذ عقود في الكويت.
الكويت بلد حر شد انتباه شعوب الإقليم إلى تجربته الديمقراطية، وغدت مثالاً ترنو الشعوب إلى الحذو حذوها ونقل هذه التجربة. وعدم الاعتراض على قرار العفو الذي نعنيه هنا هو أنه لا ينبغي أن يصاحب هذا القرار عدم اكتراث من غير الكويتيين، وخصوصًا الخليجيين الذين يرون أن الدول الخليجية كتلة سياسية واحدة تتأثر دولها بعضها ببعض. فما موجب طرح هذه المسألة والتفكير فيها بطريقة تحترم سيادية القرار الكويتي ولكنها في الآن نفسه لا تُلغي مبدأ التفاعل خليجيًا مع قرار الإفراج عن المجرمين؟ الجواب ببساطة يكمن في هوية المجموعة التي تم العفو عنها، وخصوصًا المنتمين منها إلى «حزب الله» فرع الكويت، ونُذكِّر أن هؤلاء حوكموا في قضية «خلية العبدلي»، أي خلية التخابر والإرهاب التي لها انتماء يتعارض وبشكل صارخ مع سياسات دول مجلس التعاون. ويكفي التذكر والتذكير بأن هذه المجموعة هددت أمن الكويت وبالتالي فهي تهديد لأمن دول مجلس التعاون كافة.
بعد صدور قرار العفو انتشرت كثير من الأقاويل حول أسباب هذا العفو، وأنا لا أميل إلى تصديق كثير منها لأسباب كثيرة ولعل أهمها أن السلطة الحاكمة في الكويت هي الأقدر على تحديد مصلحة البلاد والعباد. وأحد الأقاويل التي شاعت أن لهذه المجموعة المعفى عنها ثقلاً سياسيًا ما شكل ضغطًا على صاحب القرار ليتخذ قراره هذا. قد يكون أصحاب هذا الرأي قد استندوا إلى صيغة الاحتفال المبالغ فيها والزفة التي رافقت الإفراج عن حسن عبدالهادي حاجيه، أحد أفراد خلية العبدلي، وربما يكون قائدها فأنا لا أعلم بذلك ولم يكن من اهتمامي البحث في ذلك، فقد أظهر المحتفون بالإفراج عن حاجيه مهرجانًا جاهروا فيه وبغير حياء بانتمائهم إلى «حزب الله» الإرهابي. مثل هذا الاحتفاء يكشف عن مضمر، كما يفيد إلى أن لهؤلاء جمهور يتناقض مع مصالح الشعب الكويتي. ومثل هذا الشعور المسجل يقتضي منا الحيطة والحذر، والدفع بقوة بأن الإفراج حصل بإرادة أميرية حكومية برلمانية خالية من حسابات الخوف والرهبة والطمع، موجهة بمنطق المصلحة الوطنية والدفع إلى التذكير بأن للدولة وحدها ممثلة في سلطاتها القائمة الحق في إنفاذ الأحكام، والحق في العفو وفق اعتبارات إنسانية ووطنية أولاً وقبل كل شيء، وهذا هو الرأي الذي أميل إليه.
ولأن من ضمن هذه المجموعة المعفى عنها من أساء كثيرًا لدول مجلس التعاون وخصوصًا مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية مثل عبدالحميد دشتي وعبدالله الصالح اللذين تقيئا سمًا زؤامًا ضد مملكة البحرين وتفننا في إسباغ النعوت المذهبية ضد حكومة البحرين، ولكي نؤكد هنا على أن عدم الاكتراث ليس مطلوبًا فحسب وإنما هو ضرورة، فإنه يهمنا هنا أن نتذكر ونُذكر بالمواقف المعادية من هذين الشخصين لمملكة البحرين. فقد أظهرا فجورًا في خصومتهما ضدنا وكانا بوقين ينزفان كذبا وبهتانا مذهبيا جلب لنا كثيرا من القلق والمتاعب، وزادا من غلو من صفقا لهما إبان أحداث 2011. لهذا نقول إنه ينبغي أن نكترث وألّا ننسى ما كان هذان الشخصان يمثلانه لنا. لقد أعلن الاثنان عداءً صريحًا لكل ما كانت تتخذه مملكة البحرين من تدابير وإجراءات لحماية أمنها واستقرارها من عبث العابثين.
من حق الكويت أن تُفرج عن بعض المجرمين لاعتبارات كويتية - كويتية، ومن حقنا أن نُذكر ونتفاعل مع هذا القرار من دون الاعتراض عليه؛ لنقول إن شعب البحرين لا ينسى ولن ينسى من أصابه بسوء أو تجرأ عليه بفعل أو بكلمة من داخل البحرين أو من خارجها.