تفضيل القائد على المدير واحد من أهم متلازمات الوضع الإداري العام في أغلب الثقافات، ولعل من المهم أن يكون هناك مباحث للتفريق بين حاجة المنظومات لأي من أصحاب المواصفات المذكورة في كتب الإدارة، التي نشاهدها يوميا في التعامل مع تحديات العمل.

صحيح أن القادة لهم مستويات في الفاعلية والكفاءة، لكن واحدا من أهم العناصر التي لا بد من التنبه لها هو تعاظم الفروقات الشخصية بين كل مستوى من مستويات القيادة. من المهم ملاحظة أن كل نوع من القادة يمكن أن يبدع في موقع معين، لكنه لا يبدع في موقع أو مستوى أو بيئة مختلفة، ذلك أن القيادة هي مجموعة من المواصفات المعقدة التي حاول كثير من المنظرين محاصرتها، لكنهم لم يفلحوا. في واقع الأمر فالمواصفات البيولوجية ليست متشابهة في المقطع العام للقادة، كما أن المواصفات العلمية هي الأخرى متفاوتة وقد يكون التعليم أو الثقافة أو الخبرة عناصر مؤثرة في تشكيل القادة وتحسين قدرتهم على التفاعل مع البيئة التي يعملون فيها، لكنها ليست حاسمة كما نعلم جميعا. يمكن الحكم على بقية العناصر المؤثرة كالعناصر الشخصية والنفسية والاجتماعية والبيئية كمؤثرات مهمة كذلك، ولكنها لا تحسم الجدل حيال من هو القائد وما هو المستوى الذي يمكن أن نتفق على قدرته فيه.

أدرك أن التجارب والخبرات التي يمر بها الشخص هي أكبر المؤثرات في تكوين شخصيته من الناحية القيادية ويأتي معها مواصفات وراثية يمكن أن تحقق التناغم بين الشخص وأي بيئة جديدة أو مجموعة من الأفراد يعمل فيها أو يتعامل معها. فإذا سلمنا بهذه المصفوفة المعقدة لنا أن نتوقع مدى وجود القدرة القيادية لدى الشخص وأين يمكن الاستفادة منها، وهو أمر معقد أكثر من سابقه. هنا أقول: إنه في مجال التعامل في المنظومات لا بد أن نتنبه إلى كل ما يمكن أن يسهم في نجاح أو إخفاق العملية الإدارية بمجملها.

على أنه لا بد أن نفرق بين الحاجات التي تدفعنا لاختيار شخص قيادي لإدارة منظومة معينة، فالأساس هو الهدف النهائي للعمليات التي تتم في المنشأة. فإذا كانت العمليات مرنة ولا تحتاج تغييرا، فمن الأولى أن نبحث عن المديرين الفاعلين الذين يحافظون على كفاءة العمل وانسيابيته، ذلك أن القادة يميلون إلى التغيير، وهو ما قد يفقد العمل كثيرا من المزايا الحالية، ويدفع إلى خسائر على المديين القصير والمتوسط.

وهذا مبحث مهم يمكن أن ندخل فيه في مقال آخر.