مع استمرار المواجهات في قطاع غزة، وتصميم إسرائيل على تبني الخيار العسكري، فإن السؤال المطروح بالفعل: هل يوجد خيار إسرائيلي متكامل للتعامل المستقبلي لحكم قطاع غزة؟ ويتفرع من هذا السؤال تساؤلات أخرى، من بينها: ما الإطار الذي يمكن التعامل معه؟ وما شكل منظومة الحكم في القطاع؟ وهل ستستمر إسرائيل في حكم غزة إلى مدى زمني محدد مع وجود سلطة فلسطينية باعتبارها امتداد إلى ما هو قائم في الضفة الغربية إلى حكم القطاع قبل الانقلاب، واستمرت تحكم القطاع حتى 7 أكتوبر قبل قيامها بالهجوم الخاطف الذي غير قواعد الاشتباك مع إسرائيل في الفترة المقبلة بصرف النظر عن الاستمرار في حكم القطاع، أو خروجها من المعاجلة، ولو تكتيكيا ما يؤكد على أننا أمام تطورات مهمة.

أولها: سعي الحكومة الإسرائيلية، ومراكز بحثها وبيوت الخبرة للتسويق لخيار حكم غزة من دون «حماس»، وهذا أمر يمكن أن يقابل بمعادلة صعبة مفادها أن حركة «حماس» الفكرة والفصيل المركزي سيظل في كل الأحوال ضمن المعادلة الفلسطينية، ومن ثم فإن قرار التعامل سيكون فلسطينياً وعربياً بدرجة أو بأخرى، وليس فقط إسرائيلياً، أو أميركياً على عكس ما هو شائع. ومن ثم فإن حكم القطاع سيكون أحد أهم إشكاليات الأزمات في التعامل الفلسطيني الإسرائيلي بصرف النظر عن مخطط وقف إطلاق النار، أو الدخول مجدداً في مواجهات غير دورية بعد إتمام الهدنة الإنسانية أو توقف تكتيكي للمواجهة الراهنة. ثانيها، أن الطرح الإسرائيلي ما زال يدور في دوائر معينة أهمها ضمان عدم قدرة حركة «حماس» على شن هجمات مستقبلية، واستعادة ثقة الجمهور الإسرائيلي في الجيش، وأداء الحكومة بواقعها الراهن، وإعادة تأسيس قوة الردع الإسرائيلية، والاستمرار في خطط تحديث الجيش الإسرائيلي. وفرض السيطرة الأمنية، وهي وفق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو تتضمن تولي إسرائيل السيطرة الأمنية الكاملة في القطاع. والإبقاء على قوة أمنية فاعلة، وهي خطة حسب الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج، تشمل إبقاء إسرائيل على قوة أمنية فاعلة في المستقبل القريب لمنع حركة «حماس» من العودة بعد الحرب.
ثالثها: أن تشمل الترتيبات الأمنية محيطاً أمنياً يتراوح عرضه بين كيلومتر وثلاثة كيلومترات، ولن يسمح لسكان غزة بالدخول إليه من دون إذن خاص كذلك إنشاء نظام متكامل للإنذار والحماية على الحدود يوفر الأمن لمواطنيها في حال عدم استيفاء الشروط المطلوبة في قطاع غزة أو انتهاكها، كما لن يبقى الجيش الإسرائيلي في غزة لفترة طويلة تتجاوز ما هو ضروري لتحقيق الأهداف الفورية للمواجهة مع تكريس سياسة الفصل بين القطاع والضفة الغربية مع إقامة مناطق آمنة في جنوب غزة، أو إقامة كانتونات متعددة في قطاع غزة تؤدي إلى تقليص مساحة القطاع.
ورابعها: المعنى الإجمالي التركيز على غزة أما إعادة إحياء التنسيق السياسي والأمني مع السلطة سيكون في نطاق محدد، ويزيد من ذلك احتمال إقدام الجيش الإسرائيلي على بناء حزام أمني آخر في العمق الفلسطيني في شمال وجنوب القطاع حيث يتم إطلاق الصواريخ باتجاه جنوب عسقلان والقواعد العسكرية المجاورة، وجنوب النقب.
خامسها: لا تتحدث إسرائيل عن مقاربة أشمل للتعامل مع الفلسطينيين، وما يعنيها التركيز على القطاع مما سيعطي دلالات على تأجيل النظر في أي دعوة تتردد في الوقت الراهن بخصوص حل الدولتين حيث تركز إسرائيل في مداها المتوسط للعمل على خيار أوسع وأشمل ما يعني التركيز على دولة نقية يهودية لا وجود فيها للأغيار في داخلها أي إجراء ترانسفير إلى عرب 48 أيضا إلى مناطق أخرى في صحراء النقب ومناطق خارج الدولة اليهودية مع رفض كامل لإمكانية قيام كيان فلسطيني منفصل، أو حتى كيان دولة مقبولة مجردة من السلاح، ما يؤكد على الخيارات الصفرية للطرح الإسرائيلي، وأن الحديث عن فكرة الدولة المستقلة مستبعد على الأقل لبعض الوقت. من المرجح إذن أن تُبقي إسرائيل قواتها في مواقع رئيسية في جميع أنحاء قطاع غزة لمنع «حماس» والفصائل من تنظيم، واستعادة القطاع، بينما تسعى إسرائيل إلى حكم طويل الأمد في غزة. ويتلخص الحل الأكثر ترجيحاً في تكرار الاستراتيجية الإسرائيلية في الضفة الغربية، والتي بموجبها تحتفظ إسرائيل بالإشراف العسكري على المستوطنات الإسرائيلية في حوالي ثلثي الضفة الغربية حيث لن تقبل إسرائيل بأي صيغة تدفع، ولو مرحليا إلى دولة مستقلة للفلسطينيين يمكن أن تعييش إلى جوارها برغم كل ما يمكن طرحه دوليا بشأن التأكيد على خياراتها الأمنية، وتأمين حدوده الراهنة، وإقامة ترتيبات أمنية في منطقة الأغوار، ومن ثم فإن تقبل إسرائيل فكرة خيار الدولتين حيث سيكون صعباً في ظل استمرار اليمين الإسرائيلي الرافض أي حديث عن إجراء اتصالات سياسية، أو أمنية مع الجانب الفلسطيني لتبقى الأولويات الإسرائيلية الراهنة قطاع غزة، وتأجيل النظر في أية ترتيبات أمنية في الضفة الغربية في ظل الواقع الراهن.