حماس هي حركة المقاومة الاسلامية التي ترتبط فكريًا بجماعة الاخوان المسلمين. تأسست عام 1987 وأعلنت فك ارتباطها التنظيمي بالاخوان المسلمين عام 2017 وتحولت لتنظيم فلسطيني مسلح تتلقي تمويلًا وتسليحًا من ايران في اطار الصراع الايراني الاسرائيلي، الا ان مصادر اخرى تؤكد ان اسرائيل استغلت حماس للوقوف امام منظمة التحرير الفلسطينية لتشعل انقسامًا فلسطينيا فلسطينيا لم يزل مستمرًا حتى الان، كما ان انتماءها الى الاخوان وتلقيها الدعم من ايران كان له تأثير كبير على مواقف بعض الدول العربية والسلطة الفلسطينية من هجومها الذي شنته في 7 أكتوبر 2023.
وقد مرت القضية الفلسطينية بعدة مراحل في تاريخها مع اسرائيل للوصول الى اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ودخلت في دوامة المؤتمرات والاجتماعات لمجلس الامن والجامعة العربية وغيرها من المنظمات الدولية، الا ان القضية ظلت بعيدة عن حل اقامة الدولة ووضُعت كل القرارات الاقليمية والدولية حولها على الارفف كغيرها من القرارات التي صدرت قبل اكثر من 70 عاما وكان آخرها قرار مجلس الامن الاخير حول مخاطر الوضع الانساني في غزة الذي سقط بسبب «الفيتو» الامريكي.
وقد تكرر الحديث عن الدولة الفلسطينية آلاف المرات من ملوك ورؤساء دول ووزراء خارجية على منصات الامم المتحدة ومجلس الامن وعدم الانحياز والمؤتمر الاسلامي والجامعة العربية، وبُحث مع الدول الكبرى في الاجتماعات الجانبية خاصة في البيت الابيض بواشنطن والاليزيه في باريس ورقم 10 داونج ستريت في لندن والكرملين في موسكو وغيرها من عواصم العالم.. وحصل على التأييد المطلق من الجميع. الا ان الهدف ظل بعيد المنال!!! ولكن اين الخطأ في عدم الوصول الى الهدف بقيام الدولة الفلسطينية؟
لو عدنا الى دفاتر التاريخ فسوف نجد انه في 29 من نوفمبر من عام 1947 تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 181 الذي تم بموجبه تقسيم فلسطين، التي كانت تحت الانتداب البريطاني، إلى دولتين، إحداهما عربية والأخرى يهودية.
وبعد ستة أشهر صوتت الجمعية العامة للامم المتحدة على إعلان دولة إسرائيل، وكانت تلك بداية ظهور دولة إسرائيل، التي شهدت بعدها موجة هجرة كبيرة لليهود من جميع أنحاء العالم إليها. بينما بدأ تهجير الفلسطينيين من مدنهم وقراهم إلى أنحاء العالم كافة، بعد أن توسعت إسرائيل أكثر في سيطرتها على الأراضي الفلسطينية. وها هو التاريخ يعيد نفسه في غزة.
اذا فإن اول الاخطاء الدولية في حق دولة فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني هو الانتداب البريطاني نفسه الذي اعطى نفسه حق منح وطن لليهود على ارض فلسطين بموجب «وعد بلفورد عام 1917» وكان العرب جميعا تحت حكم الامبراطورية العثمانية او الرجل المريض التي سقطت تحت اقدام الحلفاء في الحرب العالمية الاولى. بعدها استقلت بعض الدول العربية ودخلت حروبا مع اسرائيل ادت الى خسائر لاراضيهم، ففي «حرب الايام الستة» عام 1967 خسرت مصر الممر البحري قناة السويس وسيناء وغزة، اما سوريا فقد كانت خسائرها مرتفعات الجولان الاستراتيجية وبحيرة طبريه، والاردن فقد خسر الضفة الشرقية، كما خسرت هذه الدول طيرانها الحربي تماما وألوفا من جنودها تجاوزت الـ40 الف شهيد.
ومثّلت المناطق التي احتلتها إسرائيل خلال الحرب، وفق مراجع تاريخية، مكسبًا استراتيجيًا مهمًا على الصعيد الدفاعي، حيث شكّلت حواجز طبيعية لحماية عمقها الأمني ضد أي هجمات عربية أو فلسطينية.
أما احتلال القدس الشرقية فقد شكّل حدثًا تاريخيًا ودينيًا إسرائيليًا ساعدها في بسط سيطرتها على ما تسمّيه بـ«القدس الكبيرة» (تضم القدس الغربية والشرقية)، وذلك لأول مرة منذ بداية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد دشّنت الحرب مشروع تمدّد الاستيطان الإسرائيلي إلى الضفة وغزة، ورسّخت مبدأ «القوة» بالسيطرة على الأراضي الفلسطينية ونهب مواردها الطبيعية.
وما يثير الاهتمام والتساؤل: هل قرار الجمعية العامة يعتبر قرارا تنفيذيا استلزم التطبيق؟ لأنه حسب ميثاق الامم المتحدة، هو قرار ليس صادر من مجلس الامن وليست له القوة القانونية للتنفيذ، اضافة انه ليس تحت الفصل السابع من الميثاق!!
اما الخطأ الثاني فهو التدخلات العربية في الشأن الفلسطيني بعد استقلال الدول العربية منذ الخمسينيات والستينيات، هذا العالم العربي الذي تقاذفته التيارات القومية والشيوعية والبعثية في كل من مصر والعراق وسوريا ولبنان، ودخلها الفلسطينيون من اوسع الابواب لتتقاذفهم الانقسامات واهواء القيادات العربية.
اما الخطأ الثالث فهو - للاسف - الفلسطينيون انفسهم الذي اصطفوا وتدخلوا في القضايا العربية حسب التطورات والظروف التي مرت بها علاقاتهم مع الدول العربية، وكانت تصرفاتهم في لبنان - التي اوجدت دولة داخل الدولة - من اكبر الاخطاء الاستراتيجية في تاريخ القضية الفلسطينية وانتهت بتهجيرهم الى تونس. كما كان موقفهم من الاحتلال العراقي للكويت قمة الخطأ الاستراتيجي الذي كانت له تداعيات مضرة جدا بالقضية الفلسطينية. خاصة عندما دخل الرئيس عرفات في جدل قانوني مع المستشار القانوني مفيد شهاب في جلسة القمة العربية في التاسع من اغسطس 1990، الذي اصر على عدم صحة اجراءات تمرير قرار القمة العربية الذي يدين الاحتلال العراقي للكويت ويدعوه للانسحاب بسبب عدم حصوله على الاغلبية.
مع ذلك، وعلى الرغم من كل الخلافات الفلسطينية الفلسطينية والتدخلات في الشؤون العربية، تبقى اسرائيل من اهم اسباب عرقلة قيام دولة فلسطين بسبب تعاقب الحكومات المتطرفة في الانتخابات الاسرائيلية التي لم تُمكٌن اي حزب من الفوز المطلق في الانتخابات، وكان على الحزب الفائز في الانتخابات تشكيل حكومة ائتلافية تضم اعضاء من الاحزاب المتطرفة التي سيطرت على القرار في اسرائيل، بعكس فترة الثمانينيات والتسعينيات التي شهدت اجتماعات ومبادرات واتفاقيات فتحت نوافذ نحو الحل الشامل، نظرًا لوجود حكومات معتدلة نوعًا ما، كانت ترى في السلام طريقا لترسيخ الامن والاستقرار في المنطقة. الا ان ما يجري حاليا يؤكد أن هناك مخططات بعيدة المدى تعمل على ترسيخ الوجود الاسرائيلي المعترف به عربيًا من خلال التوسع في اقامة علاقات ثنائية خاصة مع دول الخليج العربي. الا ان تطورات الاحداث في غزة وارتكاب اسرائيل لمجازر غير انسانية للنساء والشيوخ والاطفال سيكون دون شك تراجعا وفشلا في خطة العلاقات الثنائية الاسرائيلية مع دول الخليج العربي او غيرها من الدول العربية.
ونظرا للاعتبارات الماضية وتداعيات الموقف الانساني المتدهور، اتخذ الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، خطوة نادرة عندما نبه مجلس الأمن الدولي في رسالة رسمية اعتمد فيها على المادة 99 من ميثاق المنظمة إلى «التهديد العالمي الذي تمثله حرب غزة».
وقدمت الامارات هذا التنبيه في مشروع قرار لدفع مجلس الامن إلى الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غضون أيام، ويطالب، بناء على رسالة غوتيريش، «بوقف إنساني فوري لإطلاق النار» في الصراع بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية. وتنص المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة في الفصل الـ15 الذي يتعلق بالأمانة العامة للمنظمة ومهام الأمين العام على ما يلي:
«يحق للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين».
الا ان مجلس الامن فشل في التوصل الى قرار بوقف انساني فوري لاطلاق النار بسبب «الفيتو الامريكي» الذي يترجم الموقف الامريكي، وهو ان الولايات المتحدة لن تضغط على اسرائيل بوقف الحرب حتى يتم القضاء على حماس وضمان عدم وصولها لحكم غزة مستقبلاً، واستلام منظمة التحرير الفلسطينية ادارة غزة كما هو مطروح حاليا في اروقة البيت الابيض. لذلك سيبقى الوضع الكارثي على ما هو عليه حتى تحقق اسرائيل اهدافها في القطاع وتقضي على حماس، هذا التنظيم الذي اوجدته بنفسها ليقف امام منظمة التحرير الفلسطيتية PLO. ليؤكد مقولة: وانقلب السحر على الساحر.
التعليقات