قد يكون هذا العنوان غريباً لأن الكلمتين أساسهما مختلف. الاقتصاد نظام اجتماعي مبني على تبادل المنفعة وإدارة الموارد، وقرارته كلها مبنية على أرقام. أما الحب فهو نظام اجتماعي كذلك مبني على تبادل المنفعة، ولكن قرارته مبنية على المشاعر.

ما علاقة هذا بذاك إذن؟ أولاً الاقتصاد في الأساس مبني على حب الذات، هكذا قال أبو علم الاقتصاد الحديث الأسكوتلندي آدم سميث قبل 300 عام في كتابه المؤثر «ثراء الشعوب».

في أشهر اقتباس في الكتاب، يقول سميث إننا نحصل على عشائنا من الخباز والقصاب ليس بسبب اهتمامهما بعمل الخير لنا، بل بسبب حبهما لذاتهما، ولهذا لا نتكلم معهما عن احتياجاتنا بل عن مصالحهما.

هذا هو الاقتصاد باختصار نظام اجتماعي قائم على حب كل فرد لذاته ومصلحته الخاصة. ولهذا عندما يغيب حب الذات والمصلحة الخاصة، يحصل تشوه في النظام. ولهذا فشلت الأنظمة الشيوعية والاشتراكية لأن الدولة تبحث عن مصالح الناس ولا تعطي المجال للفرد للبحث عن مصلحته وإدارة الموارد الطبيعية بالطريقة التي تناسب السوق والمشتري.

ولكن عندما نجرد الاقتصاد من كل حب ما عدا حب الذات، هل سنتحول إلى وحوش يفترس بعضنا بعضاً؟ نعم، ولهذا دور الدولة هو حماية الضعفاء والفقراء من تسلط الأقوياء والأثرياء.

ومن هنا وجبت الزكاة في النظام الإسلامي لحماية المجتمع من احتكار طبقة ما للمال والموارد.

ماذا عن صور الحب الأخرى؟ هل لها مكان في الاقتصاد؟ المجموعات البشرية تحتاج روابط قوية حتى تستمر، ونحتاج روابط الحب بين أفراد المجموعة حتى تواجه الظروف متحدة ويدعم كل من الأفراد الآخر، ولكن هذا ليس ضرورياً. المهم أن تكون هناك شخصية يجتمع حولها الكل ويحبونها ويؤمنون بها، أو وجود كيان يحبونه ممثلاً في شركة أو مؤسسة.

هذا الحب حتى يدوم يحتاج أن تكون القيم متشابهة أو متقاربة بين المجموعة.

ماذا لو كان الأشخاص غير قادرين على الحب سوى حب أنفسهم؟! هذه هي مأساة الرأسمالية الحديثة حيث يغرق الفرد في حب ذاته ناسياً حبه المجتمع والأفراد من حوله.

إن الحب أساس في نجاح كل عمل، وكل الناجحين يعملون أشياء يحبونها وفي الوقت نفسه يحبون ذواتهم ويرون أنها تحقق لهم ذواتهم.

غياب الحب في حد ذاته مأساة، ولا توجد عاطفة تحرك الإنسان أكثر من حب ذاته إلا حب الأم لأبنائها؛ فذلك حب يفوق الذات بمراحل.

ولعل أفضل الأنظمة التجارية سابقاً هي الشركات العائلية الصغيرة، حيث تكون هناك روابط محبة قوية توحد الجميع للحفاظ على الشركة. وقبل ذلك عرفت البشرية الأنظمة الزراعية الصغيرة، حيث تعمل العائلة في الأرض نفسها حتى الممات، ويتشاركون الموارد كافة.

وبعد عقود طويلة رجعنا لنظام المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث أجواء العمل أجمل، وروابط الموظفين ببعضهم أعمق من الشركات الكبيرة. وهذا سر نجاح العديد منها اليوم.

خطورة الحب هي أنه «أعمى»، ولهذا بعض الشركات يغرق مؤسسوها في حبها لدرجة أنهم لا يرون عيوبها أو عيوب منتجهم، وهذا سر انهيار وفشل شركة «بلاك بيري» للجوالات، لأن مؤسسها تعلق بالمنتج الذي اخترعه وهو «الكيبورد» المتصل بشاشة، لدرجة أنه تجاهل أهمية «الكيبورد» الافتراضي على شاشة الموبايل. هذا الحب كلفه شركة قيمتها مليارات، بالطبع هذا إضافة إلى مشكلات إدارية أخرى.

باختصار، عندما نتحدث عن الاقتصاد، لا ينبغي أن نتجرد من أحاسيسنا، فالاقتصاد الكمي ليس هو كل شيء. والحب مهم... ولكنه بدون تقنين يصبح مدمراً، سواء كان للذات أو للشركة أو المنتج.