البحرين اليوم في فرح وسرور، تعيش مناسبة أعيادها الوطنية المجيدة التي يفرح فيها كل بحريني وعربي وكل من يحب البحرين وقيادتها وشعبها ويحمل لهم الخير، مناسبة نرفع فيها أطيب التهاني والتبريكات إلى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء الموقر حفظه الله.

ولن نمل من التذكير بأنه مع تسلم جلالة الملك المعظم مقاليد الحكم وإطلاق جلالته للمسيرة التنموية الشاملة بدأ بالفعل ما يمكن تسميته بالربيع البحريني الحقيقي، ورسمت البحرين لنفسها مسارًا ديمقراطيًا تنمويًا بأبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية، وشدت انتباه العالم في تجربتها الفريدة من نوعها، والتي استطاعت من خلالها دخول عصر التقدم والحداثة دون الإخلال بالثوابت التاريخية والحضارية للبحرين والتركيبة الاجتماعية والثقافية التي اطمأن إليها الحكم والشعب على مدار مئات السنين الماضية.
لقد تمكن جلالة الملك بعزم وحكمة وشجاعة من نقل البحرين من مرحلة حضارية إلى مرحلة مستقبلية أشمل وأعلى وأكبر، وتلاحمت الأيدي لتبحر بسفينة الوطن إلى مكان أوسع وأكثر ألقًا وجمالًا، والدفة في يد ربان ماهر، حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم، والذي أثبت منذ ذلك الوقت أنه قائد ذو رؤية ثاقبة، يحمل كل الحب لوطنه وأرضه وشعبه، مخلص لمسيرة آبائه وأجداده، وجاد في نقل وطنه إلى مصاف الدول المتقدمة في كل شيء؛ في السياسة والديمقراطية والاقتصاد والفن والرياضة وجميع مجالات التنمية.
ولو أن القادة العرب الذين اجتاح دولهم الخريف العربي درسوا التجربة البحرينية بتمعن -رغم محدودية المساحة الجغرافية وعدد السكان في البحرين- لربما تصالحوا مع شعوبهم منذ البداية، وأسسوا قاعدة راسخة يمكن الاستناد عليها في كل مرة يصيب البلد أزمة سياسية أو اقتصادية، ولربما وفرنا على نفسنا حمام الدماء وحجم الدمار الذي ضرب تلك الدول وحولها إلى دول فاشلة.
الأمن والاستقرار منّةٌ من الله تعالى، لكنها في الوقت ذاته نتائج جهد وعمل، وهي قائمة في البحرين على ركائز، من بينها دستور تحرسه إرادة ملكية تضع مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار، ولا تسمح بأي انحراف أو خلل، حكيمة، متسامحة، مرنة، لكنها في الوقت ذاته شديدة حاسمة عندما تستشر أن أمن البلاد والعباد في خطر.
الجميع في البحرين يعيشون بكرامة، مطمئنين على حياتهم وعائلاتهم وأحبائهم، وعلى أموالهم وأملاكهم، والناس تخرج من منزلها صباحًا يفكّرون في يوم أجمل. يواجهون تحديات بلا شك، لكنها تحديات بسيطة لا تقارن بما يواجهه الناس في مناطق أخرى من العالم يضربها العوز والجوع والنزوح والفتن.
وإن أعيادنا الوطنية مناسبة لنقول للعالم أجمع: كفى حروبًا، وليعم السلام. إنها مناسبة لنفكر بالأعراق وأتباع الأديان والملل الذين يعيشون بيننا في البحرين، وكيف يتمتعون بجميع حقوقهم السياسية والاقتصادية والفكرية، حالهم حال أي مواطن آخر. الجميع سواسية تحت حكم القانون، يحظون بحقوقهم كاملة، ويقدّمون واجباتهم كاملة.
يمكن تصنيف ذلك في إطار المنجزات الوطنية المستمرة وبالأخص التنموية والاقتصادية منها، وعند وجود تحديات في وقت من الأوقات فإن البحرين تخرج منه أقوى، لذلك نحن متفائلون كثيرًا بأن يحمل العام المقبل في طياته لنا بشائر خير ونمو بعد أن تمكنا من اجتياز العام الحالي الذي كان صعبًا من الناحية الصحية والاقتصادية على العالم كله.
وإن وعي الشعب البحريني والتفافه حول قيادته وحكومته سيكسر أي صعاب حالية ومستقبلية، وقد برهنت البحرين دائمًا على مناعتها في وجه الأزمات بفضل حكمة قيادتها وتلاحم شعبها ووعيه، ومهما تبدلت الظروف والعوامل الخارجية ستبقى البحرين عصية على الطامعين، وبلد الأمن والأمان والاستقرار والازدهار.
لقد كانت البحرين عبر التاريخ مركزا تجاريًا واقتصاديًا متقدمًا، ثم جاء المشروع الإصلاحي ليضع الأطر العملية لتعزيز مكانة البحرين وتكريس ريادتها على مستوى المنقطة، حيث تنوّعت مصادر الدخل والنشاط الاقتصادي الذي فاق نظيراته في دول الجوار، إلى أن أصبحت المملكة نموذجًا يحتذى بالحرية والعدالة الاقتصادية إقليميًا وعالميًا، وأنا شخصيًا حرصت على نقل جانب كبير من استثماراتي المختلفة إلى مقري الرئيس في مملكة البحرين، خاصة مع إصدار سمو ولي العهد رؤية البحرين الاقتصادية 2030 والتي باركها جلالة الملك، حيث أصبح الطريق واضحًا ومختصرًا أمامنا كرجال أعمال في كيفية تعزيز مساهمتنا في تطوير بلدنا.
ولقد أكدت في أكثر من مناسبة أن علينا أن نبذل كل ما نستطيع من أجل الوطن، الوطن الذي يشعرنا بالأمان، والانتماء، والغد الأفضل. الوطن هو أوسع من مجرد مكان، إن الوطن علاقة بين الجغرافيا والتاريخ، الوطن هو الحضارة وإبداع الإنسان عبر القرون، كما أنه عبارة عن مشاعر، ومن يعرف المعنى الحقيقي للوطن يتولد فيه الانتماء إليه، وتتولد عنده طاقة إيجابية تحثه على العمل والإنتاج والتفاؤل.
هناك أنواع كثيرة ومتعدّدة من الحب، مثال حبّ الأم لابنها، والحبيب لحبيبته، والزوج لزوجته، والطفل للعبته، والطالب لمعلمه، والفارس لفرسه، والموسيقي لآلته، والطبيب لأدواته، والتشكيلي لألوانه ولوحته، والمسافر للعودة والحنين إلى وطنه.. فأنواع الحب كثيرة، وإذا ما حاولنا أن نقف عند مفهوم حبّ الوطن فربما يعتبر أساس كل ذلك الحب؛ لأنه دون وطن لن يكون لأي شيء آخر معنى.
إن المواطنة يا أصدقائي هي أن تعرف قيمة الوطن، وأن نكون مستعدين للقيام بواجباتنا تجاهه، إنه ليس كلمة جوفاء من ثلاث أحرف، ونحن لا نعلم قيمة الوطن إلا عندما نفقده ونصبح - لا سمح الله - مهجّرين، إنه المظلّة الكبرى التي تحمي كل منها، وتخلق لنا الأمن ثم الأمن ثم الأمن.
العيد الوطني مناسبة لاستذكار المكتسبات النوعية الكبيرة جدًا التي حققتها البحرين على مختلف الأصعدة، وكيف تسخر مواردها لخدمة شعبها ورفاهيته وضمان تمتعه بجميع متطلبات الحياة الكريمة له، وكيف فرضت احترامها على الساحتين العربية والدولية كدولة حضارية مسؤولة، ونحن متفائلون بمواصلة البحرين مسيرة التنمية والازدهار الوطني في كل المجالات، ونجد أن من واجبنا ومسؤوليتنا مضاعفة الجهود من أجل دعم عملية التنمية في البحرين بقيادة جلالة الملك المعظم ودعم سمو ولي العهد رئيس الوزراء الموقر.