بعد سيطرة حركة «طالبان» على كابول في أغسطس 2021، قررت الهندُ قطع كل علاقاتها مع أفغانستان وأنهت وجودها الدبلوماسي هناك. ولفترة طويلة كان الموقف الهندي هو أن «طالبان» تضم داخلها بعض المجموعات التي لها صلات بتنظيمات معادية للهند. وكان هذا القرار مماثلاً لما حدث في 1996 حينما وصلت «طالبان» إلى السلطة في أفغانستان لأول مرة، حيث سارعت الهند حينها لإغلاق سفارتها تفادياً لإقامة علاقات مع الحركة.

وكانت الهند قد حمّلت شبكة حقاني التابعة لـ«طالبان» مسؤولية الهجوم الذي استهدف السفارة الهندية في كابول عام 2008 والذي أسفر عن مقتل 58 شخصاً من بينهم دبلوماسي هندي. وحينما نُحيت حركة «طالبان» عقب الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001، كانت الهند من بين أولى الدول التي أعادت فتح بعثتها الدبلوماسية وأقامت علاقات مع حكومة أشرف غني في أفغانستان. وتحت مظلة الحماية الأميركية، طوّرت الهند علاقات وثيقة مع أفغانستان واستثمرت أكثر من 3 مليارات دولار في جهود إعادة الإعمار. وشملت البرامج الهندية مشاريع البنية التحتية، والمساعدات الإنسانية، ومشاريع التنمية المجتمعية الصغيرة، والتعليم، وتنمية القدرات، بالإضافة إلى تشييد مبنى البرلمان الأفغاني. ثم حدث أن ضاع فجأة كل ما كان يُعتقد أنه ساهم في الإيجابية بين البلدين وذهب سدى حينما دخلت «طالبان» كابول مرة أخرى قبل أكثر من عامين.

غير أنه من الواضح أن الأمور تغيرت منذ ذلك الحين. فقد أقامت الهند روابط مع «طالبان» في إطار جهودها الدبلوماسية الواقعية، بعد أن استجابت نيودلهي بحذر لجهود الحركة الرامية للتقارب معها، من خلال وجود دبلوماسي صغير. ومؤخراً، أعلنت «طالبان» اعتزامها تعيين دبلوماسيين في بعثاتها حول العالم، لكن هذه العملية كانت بطيئة جداً بسبب غياب الاعتراف الدولي والتمويل. ذلك أن قلة قليلة من البلدان فقط تعترف بحكومة «طالبان» وقد قبلت دبلوماسيين عيّنتهم الحركة في الأشهر الأخيرة.

ومن الواضح أن الهند ترى ميزةً استراتيجية في تقاربها مع «طالبان». ذلك أنها حريصة على الإبقاء على قناة اتصال مفتوحة مع قيادة الحركة على اعتبار أن أي حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار في أفغانستان يمكن أن تؤثّر سلباً على الأمن الهندي، وخاصة في كشمير. فالجماعات مثل «عسكر طيبة» وغيرها، والتي سبق لها أن نفّذت هجمات في كشمير وأماكن أخرى من الهند، لطالما اتخذت من أفغانستان مأوى لها. وقد تم التأكيد على أهمية أفغانستان في الحسابات الاستراتيجية الهندية في مايو الماضي حينما قال مستشار الأمن القومي الهندي أجيت دوفال، في كلمة له خلال مؤتمر أمني إقليمي، إن الهند ستظل دائماً طرفاً مهماً معنياً بأفغانستان. ومن جانبها، كانت حركة «طالبان» واضحة جداً في إعلان رغبتها في التعامل مع الهند، التي تُعد مصدراً رئيسياً للمساعدات الإنسانية وأكبر اقتصاد في المنطقة. وقالت حكومة «طالبان»، التي تسعى للحصول على الاعتراف الدولي، إن الكرة الآن باتت في ملعب الهند في ما يتعلق بالتعامل مع أفغانستان.

حينما استولت «طالبان» على السلطة، كان الرأي السائد داخل المؤسسة الأمنية الهندية وبين خبراء السياسة الخارجية هو أن باكستان لن تترك مساحةً كبيرةً للهند نظراً لارتباطاتها القوية بـ«طالبان». غير أن قيادة «طالبان» وباكستان على خلاف منذ أكثر من عام بسبب حركة «طالبان الباكستانية» والانفصاليين البلوش الذين لجأوا إلى أفغانستان بعد تنفيذهم أنشطة تخريبية في عدد من البلدات والمدن الباكستانية.

ومع ذلك، تظل الهند حذرة تجاه أفغانستان، ويأتي ذلك على حساب الروابط بين الشعبين. ذلك أن واحدة من أبرز المشاكل هي الحصول على تأشيرات لأكثر من ألفين و500 طالب أفغاني لم يتمكنوا من العودة إلى الهند من أجل الدراسة في الجامعات الهندية لأنهم كانوا في أفغانستان أثناء استيلاء الحركة على السلطة. ولأسباب لها علاقة بالمخاوف الأمنية، توقفت الهند عن إصدار التأشيرات ولم تسمح بدخول سوى بعض الأفغان، ومعظمهم من الهندوس والسيخ. وهو ما كان مضراً بمصالح الناس. والحال أنه تاريخياً كان الأفغان يلجؤون دائماً إلى الهند، خلال أوقات عدم اليقين في بلادهم، من أجل سلامتهم وأمنهم بغض النظر عن انتماءاتهم القبلية أو الدينية.

وبالنسبة للمواطنين الأفغان، ظلّت الهند مصدراً للتعليم وللاستفادة من خدمات مرافق صحية أفضل. فقد تلقى العديدُ من كبار القادة الأفغان تعليمَهم في الجامعات الهندية، بما في ذلك الرئيس السابق حامد كرزاي. وفي الوقت نفسه، تدير الجالية الأفغانية في الهند منذ مدة مدرسة السيد جمال الدين الأفغاني في نيودلهي، والتي تقدّم التعليم ليس في المواد المعاصرة فقط ولكن أيضاً بلغتي الباشتو والداري للأطفال الأفغان.

ولئن كان مما لا شك فيه أنه لا يوجد تحدٍّ لنظام «طالبان» في الوقت الراهن، فإنه من غير الواضح حتى الآن كيف ستتطور العلاقات مع حكومة «طالبان» مستقبلا، وما إن كانت الحكومة الهندية ستخفّف قواعد التأشيرات وتعيد إقامة الروابط بين الشعبين والتي لطالما شكّلت جوهر التقارب الهندي مع أفغانستان منذ عقود.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي