نعلم أن النتائج تالية للمقدمات، ونعلم أيضاً أن النوايا الحسنة ليست كافية لتحقيق الإنجاز أو النجاح المنشود، وبعيداً عن التنظير، أو المقدمات المطولة، نرى أن المراكز الصحية المتخصصة جميعها تحت مظلة المجلس الصحي السعودي، وتلك المراكز بأهدافها الاستراتيجية كانت ولم تزل خاضعة لرقابة المجلس الصحي، كما أن إصدار التراخيص لمراكز أخرى تخضع لسيطرته، حتى أضحى المشهد –في هذا الإطار– مزدحماً بعدد غير معقول من المراكز الصحية، بمسميات وتخصصات مختلفة، وهنا نعود إلى فكرة النوايا الحسنة التي كانت سبباً في إصدار التراخيص لهذه المراكز حتى ترى النور، وتمارس أعمالها وفق ما تم الاتفاق عليه ضمناً بين المجلس الصحي والمراكز، ولنا هنا وقفة، هل بالضرورة أن تتفق الأهداف الاستراتيجية لتلك المراكز مع بعضها البعض؟ وهل لهذه المراكز سلطة إصدار التشريعات المتعلقة بتخصصها الذي من أجله تم إنشاؤها؟

يجب أن نرى بعض الأمثلة حتى تكون الصورة واضحة، فلدينا المركز الوطني للمعلومات الصحية، ومن أهداف الاستراتيجية، دعم تحول المملكة إلى خدمات الرعاية الصحية الإلكترونية، وتيسير تبادل البيانات والمعلومات الصحية إلكترونياً بين الجهات والأطراف المعنية بخدمات الرعاية الصحية في المملكة بشكل آمن، ودعم برامج الأبحاث والدراسات الصحية بالمملكة بالبيانات والمعلومات الموثوقة مع المحافظة على خصوصية بيانات المرضى. ولدينا المركز الوطني للسرطان، ومن أهدافه الاستراتيجية، العمل على تجويد وحوكمة الخدمات المقدمة لرعاية مرضى السرطان المبنية على البراهين، والعمل على بنك للبيانات المتعلقة بالسرطان وإتاحتها للمستفيدين. ولدينا مركز البحوث والدراسات الصحية، ومن أهدافه الاستراتيجية، تحقيق التنسيق والتعاون والتكامل بين المراكز البحثية في القطاعات الصحية والجهات ذات العلاقة فيما يختص بإدارة الأبحاث، وتنفيذ المشاريع البحثية داخل مركز البحوث والدراسات الصحية وخارجه مع الجهات البحثية الأخرى. ولدينا المركز الوطني لاضطرابات النمو الشامل، ومن أهدافه الاستراتيجية، إصدار الأدلة الإجرائية والسياسات المرجعية لتسهيل تقديم الخدمات في جميع التخصصات ذات العلاقة بكل القطاعات. ولدينا المركز الوطني للطب المبني على البراهين، ومن أهدافه الاستراتيجية تطبيق أدلة سريرية مبنية على المعايير وتعزيز الممارسات الصحية المبنية على البراهين، ودعم التحول الرقمي في مجال الطب المبني أيضاً على البراهين.

وأخيراً لدينا هيئة الصحة العامة، التي تهدف إلى حماية الصحة العامة وتعزيزها، والوقاية من الإصابة بالأمراض، ورفع الجاهزية العامة للاستجابة لطوارئ الصحة العامة من خلال تنظيم الجهود بين الجهات ذات العلاقة، والسؤال: هل هذه الأهداف لا تتعارض مع مسؤولية وزارة الصحة؟ ألا يتعارض ذلك مع الهيئة العامة للصحة (وقاية)؟

فإذا كانت رسالة هيئة الصحة العامة، تقليل الأعباء الناجمة عن الأمراض عن طريق سن التشريعات والقيام بتدخلات قائمة على البيانات، مجالات عملها الرصد والجاهزية - الأمراض السارية - الأمراض غير السارية- تحسين وتعزيز الصحة - البيئات والمجتمعات الصحية - مختبرات الصحة العامة، معنى ذلك أن الهيئة تتوافق أهدافها، ومجالات عملها مع المراكز الصحية، بل اللافت للنظر أن الهيئة من أدوارها المنوطة بها سن التشريعات، فنجد أن بعض المراكز تقول إنها تسن التشريعات.

إذا كانت عمليات دمج الوزارات والكيانات والهيئات تدور في العالم كله بآليات تخدم الأبعاد الوطنية للدولة، وقد رأينا ذلك في المملكة، فلماذا لا تدمج تلك المراكز التي تتشابه أهدافها الاستراتيجية في كيان واحد؟ ولماذا لا تُدرج تلك المراكز تحت مظلة هيئة الصحة العامة؟ فلا يعقل أن تكون هناك جهات في التخصص الواحد لها الحق في سن التشريعات، إننا في حاجة إلى وقفة جادة تهدف للصالح العام، وتنظيم القطاع الصحي بما يليق ومكانة المملكة، وتلك رسالتنا لمعالي وزير الصحة، وفي الوقت نفسه نحن لا نفرض رأياً، إنما نقترح..