عندما يشار إلى «الإرهاب» في تركيا إنما يقصد بذلك العمليات التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني ضد الجيش التركي. وبعد عام 2016 ومحاولة الانقلاب الفاشلة باتت جماعة الداعية المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولين ضمن من يشار إليهم بالإرهاب نتيجة اتهامهم بالوقوف وراء محاولة الانقلاب.
لكن العملية «الكبيرة» التي نفّذها حزب العمال الكردستاني ضد الجيش التركي في منطقة حاقورق شمالي العراق قبل أسبوع أعادت من جديد إلى الواجهة كل ما يتعلق بمسألة مكافحة الإرهاب لجهة الاستراتيجية والتكتيكات المتبعة. وأكثر من ذلك فتحت الباب مجدداً أمام الحديث عن تأثير عدم حل المشكلة الكردية عموماً في تركيا في كامل المجتمع التركي والاستقرار فيها.
في إثر العملية نقل عن رئيس «حزب الشعوب للمساواة والديمقراطية» تونجير باقر خان، وهو الحزب الكردي الرئيسي الممثل في البرلمان ب 57 نائباً، أنه «ما لم تحل القضية الكردية فلن يعرف أبناء تكرداغ ولا طرابزون (مدينتان ومحافظتان) الراحة..».
العملية طرحت إشكالية التموضع الجغرافي للجيش التركي؛ حيث إن بعض الخبراء العسكريين الأتراك يعتقدون بأن الجيش التركي قد توغل عميقاً داخل العراق وهذا يفقده التحكم في الاتصالات مع قيادة العمليات المركزية في داخل تركيا.
وكما هو معروف فإن الجيش التركي ينفذ عمليات عسكرية واسعة في كامل الشمال العراقي؛,يوجد أكثر من عشرين مركزاً عسكرياً كبيراً بمثابة قواعد عسكرية. وليس مستغرباً بالتالي أن يطرح البعض مسألة تحويل هذا التمركز إلى حالة احتلالية دائمة على غرار الاحتلال التركي لشمالي سوريا؛ بحيث تتشكل منطقة أمنية داخل العراق تابعة لتركيا على أن تنطلق عمليات موضعية خارجها من جانب الاستخبارات التركية.
يمكن أن تندرج مثل هذه العملية ضمن عمليات الاشتباك التقليدية بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي والمستمرة منذ عام 1984 وتشمل كل مناطق وجود القوات التركية داخل تركيا وخارجها. غير أن الصورة التي أراد اجيش التركي إظهارها في الأعوام الأخيرة حول إنجازات عسكرية بمواجهة الأكراد، ربما تضررت بعض الشيء. ودقة العملية طرحت لدى بعض الأوساط التركية المؤيدة لحزب العدالة والتنمية فرضيات سياسية متعددة من أن العملية من تخطيط «عقل أعلى» يهدف إلى توجيه «رسائل» كبيرة إلى تركيا في أكثر من قضية. ولعل المقصود هنا بالعقل الأعلى أن الولايات المتحدة تقف خلف هذه العملية.
غير أن توجيه الاتهامات للخارج لا يحجب ولا يجب أن يحجب أن العنوان الأساسي للقضية الكردية هو في الداخل وليس في الخارج، وأن حل هذه المشكلة يبدأ بإعطاء الأكراد حقوقاً لهم في مجتمع يساوي بين كل القوميات في تركيا. ومن هنا تصريح باقرخان من أن عدم حل المشكلة لا يتيح الاستقرار للمجتمع التركي. ويؤكد ذلك أن الموقف من العملية الكردية قد شهد انقساماً في الداخل التركي. فحزب الشعب الجمهوري، المعارض الرئيسي، رفض أن يوقّع على بيان مشترك، مع حزبي السلطة: العدالة والتنمية والحركة القومية، يدين العملية. وقد دان الحزب العملية في بيان منفرد مؤكداً أنه يجب التحقيق في المسؤوليات ومحاسبة المقصرين.
التعليقات