عماد الدين أديب من تشكيل مهني ومعرفي لا يهدأ. لا يكلّ ولا يملّ. لا يكفّ عن طرح الأسئلة. منذ البدء كانت مهمّته التي أناط بها نفسه هي إثارة الجدل وصولاً إلى المعرفة. ذلك كان منذ حواره الأول الذي أجراه مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات.

في سبيل المعلومة، مستعدّ هو للذهاب إلى آخر العالم. حتى إلى آخر الدنيا. أمس، في سبيل سؤال ومعلومة، أو لمزيد من التحديد من أجل معرفة كنه العلاقات الإماراتية ـ السعودية، ذهب إلى قلب الموت.

إذا كان شعار الصحافي والكاتب الراحل كامل مروّة "قل كلمتك وامشِ"، فشعار عماد الدين أديب: "اطرح سؤالك وامضِ". أبعد من ذلك، هو لا يحصل على المعلومة أو يبحث عنها، فحسب. بل يتنبّأ بها في أحايين كثيرة.

على سبيل النكتة
أمس، على الهواء مباشرة، تنبّأ بأزمة قلبية ستنزل به قبيل أن يطرح سؤاله الأخير حتى اللحظة، أو هجس بها، فما خذلته. استدعاها على سبيل النكتة، فأتت على سبيل الجدّ.

في المنتدى الاستراتيجي العربي في دبي، سأل ضيوفه سؤالاً قال إنّه لو لم يسأله، فستصيبه أزمة قلبية. قال: "معنا في حالة نادرة خبير سعودي وخبير إماراتي، لكلّ واحد منهما ثقله، والسؤال بصراحة هو: ممّا نراه على السوشيل ميديا، يتبيّن أنّ هناك شدّاً وجذباً بين البلدين، وما نراه على مستوى اللقاءات ابتسامات وتوقيع اتفاقيات: من نصدّق؟ هل البلدان مختلفان؟ متنافسان؟ ما الذي يجري بالتحديد، أجيبوني...".

"كل خير". بهذا أجاب الخبيران.

ربّما أجّلت الإجابة هذه الأزمة لقليل من الوقت، إذ لا شكّ في أنّها أسرّت أديب المهجوس بالعالم العربي وقضاياه من أقصاه إلى أقصاه.

بعيد مشاركته هذه، مضى إلى الفندق حيث كان ينتظره النجم والإعلامي باسم يوسف على مائدة الغداء، وبعيد وصوله أصابته الأزمة القلبية. ولولا أنّ باسم يوسف طبيب في الأساس سارع إلى إسعافه ونقله إلى المستشفى، لكنّا فقدنا قامةً صحافيةً في الإعلامين المرئي والمكتوب، ومنتجاً فنّياً وعاصفة من الأسئلة والإشكاليات لا تُعوّض.

شيءٌ من سيرة
عماد الدين أديب المولود في 7 كانون الثاني 1955، ابن بَجَدة. ليس له ما يناظره دربةً وحرفةً. وُلد ونشأ في بيئة فكرية وفنّية وثقافية بامتياز. والده هو السيناريست والكاتب الراحل عبد الحيّ أديب. شقيقاه الإعلامي عمرو أديب والمخرج عادل أديب.

درس الصحافة في كلّية الإعلام التي انتقل منها قبيل تخرّجه إلى القصر الرئاسي محاوراً الرئيس الراحل محمد أنور السادات. لاحقاً ناقش وتجادل مع الأديب العالمي نجيب محفوظ. في الجامعة، اشتغل بجريدة "صوت الجامعة" تحت إشراف جلال الدين الحمامصي.

بعيد تخرّجه انتقل إلى جريدة الأهرام، ثمّ ضربت شهرته في الآفاق. عمل في العديد من المؤسّسات الصحافية مثل مجلة "المجلة" التي كانت تصدر من لندن، فجريدة "الشرق الأوسط"، ثمّ أسّس مؤسّسة "الصحافيون المتّحدون" التي أصدرت مجلة "العالم اليوم"، و"كلام الناس"، فـ"آدم اليوم".

هذا في الإعلام المكتوب، أمّا في الإعلام المرئي، فدخل إلى كل بيت في العالم العربي عبر برنامج "على الهوا" على إحدى قنوات أوربت ردحاً طويلاً من الزمن. لاحقاً قدّم برنامج "بهدوء" على قناة "سي بي سي". ثمّ أسّس مؤسسة "جود نيوز" للإنتاج الفنّي. وعلى مثال براعته في عالم الصحافة والتلفزيون، أبدع في مجال الإنتاج السينمائي. ومن أبرز الأفلام التي قدّمها "عمارة يعقوبيان" وفيلم "حليم" آخر أعمال الفنان المبدع الراحل أحمد زكي.

في لبنان ومعه
في لبنان، شاهده اللبنانيون على شاشة تلفزيون "المستقبل"، زمن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في تسعينيات القرن الماضي، حيث أجرى حوارات تكاد تكون الأهمّ في حينه. جالس الراحل الحريري. حاور بشجاعة أدبية ومهنية الأمين العامّ للحزب، حتى إنّه أدخل إلى متن الحوار الصيغة اللبنانية تمحيصاً وتدقيقاً.

شغل حضوره في لبنان البلد وأهله سياسياً وإعلامياً واجتماعياً واقتصادياً. لم يغِب بعدها عن لبنان، حتى لتحسبه لولا لهجته المصرية المحبّبة، إعلاميّاً لبنانياً.

هو ركن من أركان موقع "أساس ميديا". لا يغيب عن قرّائه اللبنانيين والعرب بمقالات لا تأتي إلا بجديد. يستمرّ لأنّ مقالته محلّ انتظار. وقوله محلّ اعتبار عند الساسة والقرّاء.

ملأ عماد الدين أديب جرائد وصحف العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه. لم يترك جريدة معروفة تصدر باللغة العربية إلا وملأ صفحاتها بحبره وأسئلته وإشكالاته. ولم يترك شأناً عربياً أو بلداً عربياً إلا وخاض في قضاياه، بل أثار زوبعات وعواصف فيه ومنه وحوله.

هو واحد من القريبين جداً إلى القرّاء والمشاهدين في الوطن العربي، لسلاسة لغته، و"خفّة دمه"، ولطافته وهدوئه وأدبه، ولجرأته في طرح ما لا يجرؤ كثيرون على طرحه.

ثمّة يقين عندنا في "أساس" بأنّ عماد الدين لن يرحل عن دنيانا هكذا سريعاً. لديه الكثير من الأسئلة والإشكالات التي تحتاج إلى عشرات الجرائد والسنوات والمؤسسات الإعلامية والندوات، ليطرحها، علّ عالماً عربياً ينبثق ممّا يطرح. وعلّ وعياً عربياً جديداً يتشكّل ممّا يطرح هو وآخرون كثر في هذه البقعة الجغرافية الممتدّة من المحيط إلى الخليج.

لا شكّ في أنّه لن يتردّد يوماً في الذهاب إلى آخر الموت مرّات ومرّات، ليعود إلينا ولنا بإجابات تروي عطشاً أو تسدّ رمقاً أو توسّع علماً وتدني منّا مجهولاً.