الكثيرُونَ منَّا قد يجهلُونَ عظمَ المسؤوليَّة التي يضطلعُ بها مجلسُ الأمن على مستوى دول العالم، والصلاحيَّات الأمنيَّة المعطاة له، ومَن يُديرُونَ المسؤوليَّة فيه، من أفرادٍ وجماعاتٍ، في تطبيق اللوائح المنظِّمة لسير العمل الأمني فيه على الجهات والأفراد الذين يتجاوزُونَ حدود الأمن على مستوى دول العالم، وإيقاع العقوبات التي تتناسب وحجم المخالفات المُرتكبة، وفي طليعتها جرائم الحروب التي تُرتكب بحقِّ الإنسانيَّة بين الحين والآخر، والتي تسوِّغ له الإيقاف الفوريَّ للجهات المعتدية، فإنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا جاز لهُ إيقافَهَا بالقوَّةِ الجبريَّةِ، وفقَ الصلاحيَّات المعطاةِ له دوليًّا، وإيجاد قوَّةٍ أمنيَّةٍ لحفظ السلام في الجهات المُعتدَى عليها، إذا استدعت الحاجة لذلك، ريثما يستتبُّ الأمنُ والاستقرارُ فيها، واستحقَّت أنْ تُطبِّق بحقِّها (جرائم الحروب) المُتعارف عليها في قوانين الحروب العالميَّة دوليًّا.
فمنذُ خلقني اللهُ، حتَّى الآن، لم أسمعْ أو أُشاهدْ، أو مرَّ عليَّ خلال قراءاتي ومشاهداتي المتعدِّدة في عالم الحروب، ماضيها وحاضرها من حيث الجُرم، والإبادة، والانتقام، والبشاعة، كحرب إسرائيل ضدَّ أهالي قطاع غزَّة، وما حولها من سكان الضفَّة الغربيَّة، منذُ حرب 7 أكتوبر 2023م حتَّى اليوم، والذي يُشكِّل في شكله ومضمونه أبشع جرائم الحُروب في عالم البشريَّة!.
ورغم ما بُذل دوليًّا وعالميًّا من شجب واستنكار، ومشاورات وتفاهمات دبلوماسيَّة عربيَّة وإسلاميَّة ودوليَّة، وفي طليعتها المملكة العربيَّة السعوديَّة، الرَّاعي الأول لمسار القضيَّة الفلسطينيَّة منذ بداية النَّكبة عام 1948م حتَّى الآن، المشمولة بالمساعدات الإنسانيَّة (ماديًّا وغذائيًّا، وطبيًّا وإيوائيًّا)، وخاصَّةً لسكان أهالي قطاع غزَّة، وكل الشَّعب الفلسطينيِّ منذُ بداية عمليَّة طوفان الأقصى، وما زالت مستمرةً حتَّى الآن، ولكنْ يأبى العدو الصهيونيُّ إلَّا أنْ يواصلَ اعتداءاتِهِ وكبريائَهُ وغطرستَهُ، هو ومَن يسانده؛ طمعًا في تحقيق مخطَّطه التشريديِّ، والتهجيريِّ والقسريِّ، لسكَّان غزَّة والضفَّة، وهو حلمٌ بعيدُ المنال على بني صُهيون، ومَن يندَّس خلفهم، فكلَّما ازدادُوا عتوًّا واعتداءاتٍ، قُوبلُوا بالصدِّ والدَّحضِ والشَّجاعةِ والمقاومةِ من أبناء فلسطين، الذين نذرُوا أنفسهم وما يملكون (فداءً) للدِّفاع عن أرضهم وأعراضهم، ومقدساتهم، طال زمن الحرب أم قصر.
والسؤال الذي يدور في ذهن كل محب للأمن والسلام على وجه البسيطة:
ماذا اتخذ مجلس الأمن -المسؤول بعد الله عن استقرار الأمن على مستوى شعوب الأرض- من ردع لكل معتدٍ أثيم، وإيقافه عند حده، وخاصة (جرائم الحرب) التي قامت وتقوم بها إسرائيل ومن يقف بجانبها، على قطاع غزة والضفة، وكل ما صدر حول ذلك من هذا المجلس المريض حتى الآن، هو (مجرد جعجعة بلا طحن)، وكلام لا يتعدى حدود مكاتبه وأبوابه؟!.
* خاتمة:
إنَّ عدم ممارسة مجلس الأمن للصلاحيَّات المعطاة له، والاكتفاء بخطب الشجب والاستنكار، وعدم تجريم إسرائيل لما ارتكبته وترتكبه من مجازر لا إنسانيَّة بحقِّ أهالي قطاع غزَّة وما حولها، من مدن الضفَّة الغربيَّة، من جرائم حرب وإبادة، الثَّابت ذلك على مرأى ومسمع من العالم بأسره، والاقتتال الدَّامي الذي يجري بين الأخوة الأشقَّاء في السُّودان، والذي ذهب ضحيَّته آلاف المواطنين من نساءٍ وأطفالٍ وكبارِ سنٍّ، وتخريب في البنية التحتيَّة، كل ذلك صراعًا على السُّلطة، ونشر الفرقة بين أفراد الشَّعب السودانيِّ بدعمٍ من تدخلات خارجيَّة، جُبلت على العبث بمقدَّرات الشُّعوب، ونشر الفتنة والفرقة، وزعزعة الاستقرار بين شعوبها. يُعدُّ ذلك تخاذلًا منه، وقصورًا في تنفيذ واجباته، وتطبيق صلاحياته، وجاز لدول العالم المحبَّة للسَّلام وضبط الأمن تحميله المسؤوليَّة الكاملة في ذلك، فالحقُّ والعدلُ لا يُعلَى عليهما، وهما فوق كلِّ (فيتو)، وما في حكمه، من إجراءات القمع والظلم والاضطهاد التي تمارسها دُول الظُّلم والطُّغيان من أنصار الصهيونيَّة واليهوديَّة والنازيَّة سبيلًا لضياع الحقوق الإنسانيَّة، ولكنَّ اللهَ يُمْهِلُ ولا يُهْمِلُ، وهو أحكمُ الحاكمِينَ، والقادرُ على سحقِ دُول الشرِّ والعُدوانِ وإبادتها، وتحطيم عروشها، (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنِّ يَقُوَلَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، إنَّه على كلِّ شيءٍ قديرٌ، وبالإجابةِ جديرٌ.
التعليقات