بعد مهاجمة الولايات المتحدة وبريطانيا مواقع للحوثيين داخل اليمن، يزداد الوضع تعقيداً في الشرق الأوسط، بحيث بات مشرّعاً على احتمالات شتى، وبينها الوقوع في هاوية الحرب الإقليمية الواسعة، التي لا تصبّ في مصلحة أحد.

منذ نشوب حرب غزة في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أنّه يعمل على منع توسيع الحرب وامتدادها إلى جبهات أخرى في المنطقة، وبعث بحاملتي طائرات إلى المتوسط والخليج، في سبيل "ردع" إيران، التي كان يخشى أن تدفع بحلفائها في لبنان وسوريا والعراق واليمن، كي يدخلوا الحرب إلى جانب "حماس" في غزة.

وجال مبعوثون أميركيون بارزون على دول المنطقة بهدف معلن، وهو السعي إلى منع توسّع الحرب. فما الذي حصل حتى تبدّل موقف البيت الأبيض وقرّر توجيه ضربات عسكرية إلى الحوثيين في اليمن؟

هناك جملةٌ من العوامل التي تقف وراء ذلك، بعضها على صلة بالسياسات الأميركية الداخلية، وبدء الحملات الانتخابية رسمياً استعداداً لاقتراع 5 تشرين الثاني (نوفمبر)، الذي سيحدّد هوية الرئيس المقبل: هل يتمّ التجديد لبايدن، أم يعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض "لينتقم" من هزيمته عام 2020؟.

من الآن وحتى موعد الانتخابات، لا يريد أن يظهر بايدن في موقع الضعيف أو غير القادر على تنكّب الدور القيادي للولايات المتحدة في نقاط حسّاسة من العالم. ومعبر باب المندب هو جزء أساسي من هذه المناطق التي تتصل بالنشاط الاقتصادي في دول كثيرة ومن بينها الولايات المتحدة.

لقد عمل بايدن طوال الأشهر الماضية، على خفض نسبة التضخم في الولايات المتحدة، والتي تسببت بها الحرب الروسية-الأوكرانية ومن قبلها إغلاقات كورونا، إدراكاً منه أنّ الناخب الأميركي يقرّر لمن سيقترع انطلاقاً من قناعته الاقتصادية قبل قناعته بأي شيء آخر، وخصوصاً السياسة الخارجية التي تأتي في آخر درجات سلّم اهتماماته.

إنّ عرقلة الملاحة في باب المندب وعزوف كبريات الشحن العالمية عن سلوك البحر الأحمر، زادا من التكاليف على حركة التصدير والاستيراد، بسبب اضطرار السفن إلى الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح، في عملية مكلفة زمنياً ومادياً. وهذا أدّى بدوره إلى القلق من سلاسل الإمداد، وتسبّب في عودة التضخم إلى الارتفاع في الولايات المتحدة دول أخرى.

لا يصبّ هذا التطور في مصلحة بايدن الانتخابية، لذلك قرّر العثور على حل لمسألة باب المندب، خصوصاً أنّ المطالب التي يرفعها الحوثيون بوقف حرب غزة، لا تبدو أنّها في طريقها إلى التحقق في وقت قريب، ما يعني أنّ الحوثيين سيستهدفون المزيد من السفن مع انعكاسات ذلك على التجارة العالمية.

هذا العامل كان من بين المحفزات الأساسية التي دفعت بايدن إلى اللجوء إلى الخيار العسكري.
ثم تأتي بعد ذلك الاعتبارات المتعلقة بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ومنها عدم السماح للحوثيين وهم حلفاء لإيران، بفرض أمر واقع في المنطقة يخلّ بالتوازنات القائمة ويشكّل ورقة ضغط على واشنطن وإسرائيل.

وفي هذا السياق، أراد بايدن من خلال قصف الحوثيين، إفهام إيران أنّ الولايات المتحدة مستعدة للمجازفة بالتورط في حرب أخرى في الشرق الأوسط، كي تدافع عن مصالحها. ويمكن النظر إلى الردود العسكرية الأخرى على حلفاء آخرين لإيران في العراق وسوريا، على أنّها من قبيل إثبات أنّ واشنطن لن تنسحب من المنطقة.

ومع ذلك، تنطوي التطورات الأخيرة في البحر الأحمر على مخاطر كبيرة باتساع الصراع كي يشمل أطرافاً أخرى، ومن بينها احتمال اندلاع مواجهة أميركية-إيرانية مباشرة.

إنّ رياح الاضطراب التي تهبّ من البحر الأحمر اليوم، تُشعر الجميع بالقلق، ويجب أن تكون حافزاً على بذل المزيد الجهود لخفض التصعيد، من غزة إلى باب المندب والعراق وسوريا ولبنان.