مع تقدم العملية البرية الإسرائيلية في محافظتي الوسط والجنوب من قطاع غزة، ارتفعت حدة حرب "المشاغلة" التي تديرها إيران ضد إسرائيل من خلال أذرعها في لبنان واليمن والعراق وشرق سوريا. فالتقدير أن وصول التوغلات الإسرائيلية إلى نقطة حرجة بالنسبة إلى حركة "حماس" والفصائل الفلسطينية التي تقاوم في المناطق المذكورة، أدى إلى ارتفاع خطير في منسوب التوتر الإقليمي بين إيران عبر أذرعها وإسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة. فقيام الحوثيين في الأيام القليلة الماضية باستهدافات أكثر خطورة ضد البحرية الأميركية وحلفائها في منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب حدث فجأة واستدرج رداً أميركياً – بريطانياً محدوداً ومضبوط الإيقاع، أرادت منه واشنطن أن تبعث رسالة إلى الحوثي ومن خلفه إيران بأن 63 غارة وأكثر من مئة صاروخ معظمها من فئة "توماهوك" هي مقدمة لما يمكن أن يصيب البنى التحتية الحوثية في اليمن إذا ما تكررت الاستهدافات ضد حرية الملاحة الدولية أو ضد السفن الحربية لأميركا وحلفائها. ومن الواضح أن إدارة الرئيس جو بايدن أرادت الضربة محدودة وبعيدة من المفاجآت الدراماتيكية لكي تمنح فرصة للطرف الآخر للتراجع.

السيناريو نفسه حصل ويحصل في العراق، حيث بدأت استراتيجية المشاغلة التي اعتمدت طوال ثلاثة أشهر تتحول إلى مواجهة أكثر قوة وعنفاً وخطورة مع قوات التحالف الدولي والولايات المتحدة. ومن يعود إلى تغريدة نشرها المرشد علي خامنئي قبل ستة أيام على موقع "إكس" جاء فيها: "فلتبق جبهة المقاومة على أهبة الاستعداد في مواجهة الغضب والاستكبار، ولا تغفلن عن مكر العدو، ولتضرب حيث تطال يداها، بعون الله". من هنا يمكن فهم أن المرشد أطلق صفارة الانطلاق في جولة تصعيدية جديدة تزامنت مع تأكيدات أن شمال قطاع غزة قد سقط عملياً بيد الجيش الإسرائيلي، وإن بقيت فيه جيوب مقاومة مهمة مشفوعة بقدرة عالية الاحترافية على إطلاق صواريخ من المنطقة تحت أنف القوات الإسرائيلية المتوغلة. وتزامنت دعوة خامنئي مع التصعيد الكبير والخطير في العراق الذي بلغ سقفاً جديداً ليلة الاثنين الماضي، مع قيام الحرس الثوري باستهداف منطقة في محيط أربيل عاصمة إقليم كردستان بوابل من الصواريخ والمسيرات المفخخة، بذريعة أنها مراكز تجسس إسرائيلية وإرهاب ضد الجمهورية الإسلامية.

أما على جبهة لبنان، فمسارعة "حزب الله" إلى رفض مشروع تسوية حملها إلى بيروت الموفد الأميركي آموس هوكستين لإطلاق جولة مفاوضات لترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل لقاء وقف إطلاق النار من قبل "حزب الله" من الجنوب اللبناني نحو إسرائيل، كشفت بوضوح أن المرحلة الجديدة هي مرحلة تصعيدية كبيرة ستقوم بها أذرع إيران في المنطقة، في محاولة لدفع الأميركيين إلى الضغط على إسرائيل لوقف الحملة البرية التي بلغت مرحلة دقيقة جداً بالنسبة إلى الفصائل الفلسطينية. لكنّ ثمة خيطاً رفيعاً جداً يفصل بين التصعيد المتصاعد والحرب الأوسع التي يُخشى أن تندلع، لا سيما أن الضربة التي نفذتها إيران بنفسها ضد إقليم كردستان العراق أتت في مكان ما للقول إن إيران تقاتل أيضاً إلى جانب أذرعها، ما يفترض أن يشجع هذه الأذرع على مزيد من التصعيد ضد إسرائيل والولايات المتحدة، في محاولة لإنقاذ "حماس" والفصائل قبل فوات الأوان.