عندما يقول أحدهم لآخر: "مواطنو البلد الفلاني نصّابين"، فهي مغالطة تعميم متسرّعة. لأنّها لم تُبن على دراسة أو حقائق دامغة. لكن حينما يميل المرء إلى اتخاذ قراراته وبناء أحكامه على أول معلومة تتناهى إلى أسماعه، فيصدّقها، هنا يُطلق على تصرّفه "تحيز إدراكي". وعلى وجهه تحديد يُسمّى ذلك تحيّز تأثير الارتساء anchoring effect، أي أنّ المستمع قد رسخت في ذهنه المعلومة الأولى كما تستقر المرساة التي يلقي بها قبطان السفينة في قعر البحر.

وشتان بين المغالطات المنطقية fallacies والانحيازات الإدراكية cognitive biases، فالمغالطة هي خطأ في التفكير أو الحجة ينتج من استخدام غير صحيح أو غير منطقي للمعلومات. ذلك أنّ المغالطات تؤدي إلى استنتاجات خاطئة أو غير مبرّرة، وغالباً ما تكون مضلّلة. ومن أمثلة المغالطات الشائعة: الاستدلال الخاطئ، والتعميم المفرط، والهجوم على الشخص بدلاً من الحجة، والاعتماد على المشاعر بدلاً من الأدلة المنطقية.

أما الانحياز الإدراكي، فهو ميل العقل البشري نحو تفسير المعلومات أو اتخاذ قرارات بطريقة تتأثر بمعتقدات أو تجارب سابقة. فالانحيازات الإدراكية تحدث بشكل غير واعٍ، ويمكن أن تؤثر على كيفية معالجة المعلومات والحكم عليها. ومن أمثلة الانحيازات: تأكيد التحيّز (أي تفضيل المعلومات التي تؤكّد معتقداتنا السابقة)، وتأثير الهالة (أي الحكم على شخص أو شيء بناءً على انطباع واحد)، وتأثير الحالة الراهنة (أي إعطاء وزن أكبر للمعلومات الحالية على حساب المعلومات القديمة أو البعيدة).

ونجد المغالطات في ثنايا أحاديثنا على مدار الساعة. منها مثلاً خطاب أحد السياسيين البارزين الذي يستخدم مغالطة "الهجوم على الشخص" عندما يواجه بانتقادات لاذعة. فبدلاً من الردّ على الحجج المقدّمة، يصبّ جام غضبه وانتباهه على شخصية المنتقد. هذه مغالطة لأنّها تشتت الاهتمام عن الموضوع الأصلي. والأمر نفسه يحدث للمرأة التي تتعرّض لخيانة زوجية فتتسرّع لتقول: كل الرجال خونة!

أما أمثلة الانحياز الإدراكي فهي مثل الجمهور الذي يحكم على وزير أو مدير جديد من إنجاز واحد أو سطحي. هنا نحن أمام طريقة تفكير منحازة.

ولذلك يقول مؤلف كتاب "رجل القش" يوسف بوحايك، إنّ المغالطات مرتبطة بالحجج وطريقة الاستدلال العقلية، في حين أنّ الانحيازات مرتبطة بأنماط التفكير والإدراك لدى العقل البشري. وهذا ما يجعل المغالطة بحاجة إلى "عبارة" أو "استدلال" معيّن. أما الانحياز الإدراكي، فليس فيه تفاعل أو تواصل بل يحدث بطريقة تلقائية في تفكير الإنسان وإدراكه.

ولذا، فإنّ انفتاح الفضاء الإعلامي، وارتفاع منسوب السطحية، واستعجال الأحكام المسبقة، صار يحتّم علينا تدريس أبنائنا في المدارس، المغالطات المنطقية، والانحيازات الإدراكية. وتجاهل ذلك سوف يجعل الكثيرين عرضةً للانجراف نحو المعارك الكلامية والقرارات غير الرشيدة التي لا ندرك في كثير من الأحيان مكمن خللها. وعندما نعرف كل مغالطة وانحياز، فإننا نستطيع أن نضع أصبعنا على موضع المشكلة. وهذه ليست دعوة للتصادم مع كل متحدث وتعريته، بل مجرد المعرفة يهوّن على السامع وطأة النقاشات السطحية ومنطلقات المتحدث الهشة.