بالرغم من كل الهجوم الذي أعقب احتفال (جوي أوورد) ومن قبله موسم الرياض وميدل بيست، إلا أن ذلك كله لن يعيق إقامتها العام القادم والذي يليه والذي يليه، وستكون مثل مهرجانات كان وبرلين والبندقية وموسكو السينمائية بحضورها ووهجها واستدامتها.
كل الأمنيات بتعثر السعودية «الجديدة» بكل تفاصيلها لن توقفها عن المضي في مشروعها النهضوي الكبير، خاصة أن هذا المشروع لا يقف في طريق أحد أن يتفوق ويتقدم، لقد حوّل السعوديون مهرجاناتهم إلى منصة عالمية من أراد أن يأتي ويشاركهم فأهلاً به، ومن يتعذر عليه لأسبابه الخاصة فلا يلومنا ولا نلومه.
ستبقى مواسم الرياض وجدة والعلا وقمم أبها حاضرة، وستدشن معارض الكتاب الدولية في الرياض والمدينة المنورة وجدة، وسيزور فعاليات الميدل بيست الكثير، وسيحيي فنانون من كل العالم الحفلات الغنائية والمسرحيات الفريدة، وستشاهدون الفورمولا في حلبات جدة والقدية، وستسير عربات السائقين العالميين في «رالي دكار» عبر طرقات السعودية لعقود قادمة.
سيقف على منصات المسارح الكبرى في الرياض والعلا وأبها نجوم كبار من رواد السينما والدراما والموسيقى العالمية، وسنصفق وسيحتفي معنا كل المحبين، وسيعبرون عن غبطتهم ودهشتهم برياضنا وعُلانا وازدهارنا، وكما جذب الاحتفال هذا العام العديد من عظماء الفن والموسيقى والدراما في العالم الغربي، سيجذب الكثير في الأعوام القادمة، وسيتحدثون عن الرياض والسعودية والسعوديين بكل الحب والدهشة، كما تحدث النجم الأسطوري انتوني هوبكنز، والموسيقي لانغ لانغ، والممثل الكوميدي الأمريكي مارتن لورنس، والمخرج والممثل الأمريكي كيفين كوستنر، والمخرج العالمي زاك سنايدر، ومن قبلهم الأسطورة رونالدو.
هذه سنّة الحياة، فقد سبقت باريس وكان وروما ولندن وموسكو الكثير من مدن العالم، ثم جاءت بعدها نيويورك ولوس أنجليس وهوليود وهونج كونج وفانكوفر وسيدني وسنغافورة، ولم يُلغِ أحدٌ منها الآخر، فالفنون ملك إنساني مشاع، والمنصة تتسع للجميع.
كان من الممكن أن تعيش السعودية على أمجاد ماضيها، وهو ماضٍ عظيم - بلا شك- فمن أقاليمها خرج أعظم الشعراء وأشجع الفرسان، وتراثها الديني والثقافي والإنساني والعمراني ممتد من العلا شمالاً إلى نجران جنوباً مروراً بمكة المكرمة والمدينة المنورة، وفي عصرنا الحاضر يتسيد السعوديون أسواق الطاقة التي توفر لهم مداخيل عالية، ويمتلكون أهم المنصات الإعلامية في العالم العربي: أم بي سي، العربية، روتانا، بلومبيرغ، وإندبندنت عربية، لكنهم -أي السعوديين- لا يتوقفون، بل يسعون دائماً لتحقيق المزيد من الأحلام.
السعودية الجديدة تعلم يقيناً أنها تستعيد مساحاتها التي استفاد منها الكثير لعقود، وهذه الاستعادة وهذا السير نحو المجد والتقدم يسبّب بعض الحساسيات، وهي حساسيات «مفهومة» إذا بقيت في حدود اللياقة والتنافس الشريف، ولكن من الضروري أيضاً استيعاب أن ليس هناك حل لإيقاف القطار السعودي بالحملات الإعلامية ولا بالهجوم والإساءات، فلم يستطع ذلك الأمريكان أعظم قوة في العالم ومعهم الكنديون والألمان، والإعلام الغربي المتوحش العالمي، والمنظمات الدولية اليسارية بكل أجنداتها المتطرفة.
من لا يعرف كيف يتعامل مع السعوديين أبناء نجد وسهول تهامة وجبال السراة الشامخة عليه أن يراجع الأزمات التي مروا منها طوال مئة سنة من تاريخ دولتهم الثالثة ليفهم كيف قاوموا عنف الصحراء، وكيف طوّعوا صبرهم وجلدهم وشجاعتهم لمقاومة التحديات، لقد قال الأمير محمد بن سلمان ذات يوم: إنه لن يسمح لأحد بإيقاف مشروع الرؤية السعودية، حتى لو كان على حساب حياته.
المشروع السعودي، مشروع حياة أو موت، مشروع وجودي، ومن يختصره في حفلات هنا وهناك، أو تسليم جوائز لبعض روّاد الفن والرياضة والثقافة، فهو واهم جدّاً، إنه إعادة تموضع في هذا العالم المتوحش الذي لا يحترم إلا الأقوياء «اقتصاداً، وأمناً، وثقافة، وفنوناً، ورياضة، وقوة ناعمة»، إنها رؤية لا ترى الرياض إلا في مصاف العواصم الكبرى.
أكاد أجزم أن الجميع من الأصدقاء والأعدقاء سيتجاوز الصدمة وسيتقبلون «السعودية الجديدة» خلال الأشهر أو ربما السنوات القادمة، وسيجدون طرقاً مريحة للطرفين للتعامل معها، أو البقاء على خياراتهم التي لا ننازعهم فيها ولا ننتقدهم عليها.
- آخر تحديث :
التعليقات