- قد يسمع البعض منا حين يكون مستعجلا لقضاء بعض حاجاته كلمة: هل أنت «ملحوق»؟. وإن المتأمل لنمط الحياة اليومية يجد أن صفة «ملحوق» أصبحت عادة شبه متكررة.

- من الملاحظ أن الكثير من الأعمال والخدمات في زمننا، يقدم وينجز بشكل أسرع من ذي قبل، فمنذ الصباح الباكر نبحث عن القهوة سريعة التحضير، والإفطار الذي يُجهز بشكل سريع، وكلنا يرى أن الوجبات السريعة صارت هي الطبق المتسيد، والذي يفضله أبناء الجيل الحالي، وحتى الهواتف الذكية التي بين أيدينا يُصنع لها في كل سنة معالج أسرع وأحدث، من أجل سرعة معالجة البيانات، وزيادة الفعالية في استخدام التطبيقات.
- المشاهد لحركة المركبات والسيارات صباحا ومساء «في أوقات الذروة» يجد أن الأغلب منهم مستعجل أما لوظيفة أو تجارة أو مدرسة أو لقضاء الحوائج والأعمال والمهمات، بل حتى عند الاستعانة ببرنامج «خرائط جوجل» فإنه يرشدك إلى الطريق الأسرع، والأقل وقتا وازدحاما.
-الحقيقة أن النمط العصري الحديث، والتقني السريع، هو مرهق ومتعب للأعصاب، وربما جاء بعضه على ما وافق صفة في الإنسان، وأننا نرى اليوم بعضا من الأمور والأعمال التي يُفترض أن نقوم بها على رويَة ومهل، نحاول أن ننجزها على طريقة «قدر الضغط» حتى تكون أسرع!!
-وأبعد من ذلك أننا في باب المناجاة والدعاء نريد أن تكون الاستجابة فورية وعلى عجل! وقد جاء في الحديث النبوي: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَيَدَعُ الدُّعَاءَ».
-مما أعجبني وقد سمعته منذ زمن، أن أحدنا ربما يدعو الله سبحانه وتعالى، أن يوسع له في رزقه في شبابه، ولكن لا تأتيه الوفرة من المال إلا حين يتجاوز مرحلة الشباب، وربما كانت العلة أنه لو جاءه في شبابه لأضاعه فيما لا ينفع، ولربما جره إلى مصائب أكبر، ولذلك أتت سعة الرزق في الوقت المناسب من العمر حتى ينتفع به لنفسه وأهله وأقاربه، والمجتمع بالأعمال الخيرية والاجتماعية، وجاء في الأثر: «إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه».
-ولو نظرنا إلى الاستعجال من منظور أكبر كاختيار القائد للفريق أو المجموعة، فإن العجلة هي أبعد الصفات المطلوبة! فقد روي عن عمر الفاروق -رضي الله عنه- أن قال لأحدهم: «لولا عجلة فيك لوليتك، ولكن الحرب زبون لا يصلح لها إلا الرجل المكيث»، والمكيث أي الرزينُ المتأنَّى، والحرب الزبون: الحرب التي يدفع بعضها بعضا.
- على مستوى الأمم وبناء المجتمعات، فالنتائج والنجاحات تحتاج إلى وقت لبناء الفكر، ورسوخ القيم والمبادئ، وتطور الأفعال والسلوكيات، ولكل قاعدة استثناءات، فهناك أمور قد يفضل فيها التعجيل كرد الحقوق إلى أصحابها، الفطر للصائم، دفن الميت، وغيرها، ولكن من أجملها وأرقها قول موسى عليه الصلاة والسلام: «وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لترضى».