أتت الضربة الاميركية ضد الفصائل العراقية في كل من سوريا العراق قوية. لكن قوتها لم ترق الى مستوى يمكن الجزم معه أن أميركا استعادت هيبتها في العراق وسوريا بمواجهة التحرشات الإيرانية بواسطة فصائلها. ومعلوم ان الهجمات الـ170 التي استهدفت القوات الأميركية منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) لم تأتِ بقرار ذاتي من الفصائل. ولا أتت ايماناً بدور في الدفاع عن قطاع غزة ومناصرة لحركة "حماس" والفصائل الأخرى التي تقاتل الجيش الإسرائيلي منذ 120 يوما من دون انقطاع. هذه الهجمات مثلها مثل حرب المشاغلة التي يخوضها "حزب الله" انطلاقا من الأراضي اللبنانية، او حرب الممرات البحرية التي تشنها جماعة الحوثي من اليمن، ما كان لها أي تأثير يذكر على مسار العمليات في الميدان الفلسطيني. فقد استمرت الحرب في غزة بنفس الزخم، ومن دون عوائق تذكر. لا بل ان كل هذه الهجمات بينها 965 هجوما نفذه "حزب الله"، 160 الفصائل العراقية، حوالي 60 جماعة الحوثي اثرت سلباً على الفلسطينيين لأن إسرائيل ادرجتها ضمن المخاطر الاستراتيجية التي يمكن ان تهدد إسرائيل مستقبلا اذا ما قيض لإيران ان تترجم بالملموس مبدأ "وحدة الساحات" الذي سقط سقوطاً مدوياً في حرب غزة الراهنة.
بالعودة الى الضربات الانتقامية الأميركية التي اريد منها ان تكون بمثابة رسالة أميركية لإيران بأن صبر إدارة الرئيس جو بايدن قد نفذ جراء اللعبة التي تدور على ارض العراق والشرق السوري بواسطة وكلاء ايران المحليين، وانه حان الوقت للعودة الى واقع الاستقرار والتوازن بين اميركا و ايران في حكم العراق، والى الهدوء النسبي في احتلال الطرفين لأجزاء واسعة من سوريا. فالطرفان متواطئان منذ عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما في عملية تقاسم النفوذ والسيطرة على البلدين. كل منهما له طريقته في الاستفادة من نفوذه وتثميره بالطريقة التي يتقنها. اميركا تتقن لعبة الإمساك بمفاصل المصالح الاقتصادية – المالية- العسكرية الاستراتيجية مع المؤسسة الرسمية العراقية في بغداد والإقليمية في اربيل مع وجود عسكري يمثل رأس جسر. اما ايران فلها اللعب على المسألة المذهبية والتجييش الشرق أوسطي للغرائز، واستغلال نفوذها ل "شفط" مئات مليارات الدولارات من العراق لتمويل اقتصادها تعويضا عن تعثرها بسبب العقوبات الدولية. ولها ان تنشئ جيشها المذهبي الخاص أي "الحشد الشعبي" التابع لـ"الحرس الثوري" مباشرة، وتحويل العراق الى منصة لتمدد نفوذها وترسيخه في كل من سوريا ولبنان، والضغط على الأردن.
من هنا يمكن ادراج الغارات الأميركية الأخيرة والتي يؤكد المسؤولون الاميركيون انها ستتواصل في الأيام المقبلة تحت عنوان معاقبة الفصائل التابعة لإيران التي هاجمت قاعدة التنف عند الحدود الأردنية وتسببت بمقتل 3 جنود اميركيين وجرح اكثر من 40 آخرين.
طبعا ليس الهدف ضرب ايران، ولا تقويض نفوذها، بل تغيير سلوكها، واعادة احياء التوازن المستقر بين القوتين الجارتين اللتين تسيطران جنبا الى جنب على العراق وشرق سوريا. وهذا الامر يتم بإنهاء طهران لعبة الهجمات بشعارات مساندة الفلسطينيين المزيفة. واخذ العلم ان اميركا التي هي في صدد التفاوض مع حلفائها الخليجيين الكبار وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، لإبرام معاهدات دفاعية متقدمة، وبالتالي لن تخرج من العراق ولا من سوريا. ولن تترك تهور جماعة الحوثي في باب المندب والبحر الأحمر يمر من دون مواجهة. والمطلوب من طهران أن تعيد قراءة المشهد وفك الارتباط بين شعار مساندة غزة ولعبة التعايش بين حلقات النفوذ الإيرانية والأميركية المتجاورة في المنطقة. وأخيراً ثم العودة الى مسار التهدئة.
- آخر تحديث :
التعليقات