ينقسم الكتّاب، أو مَن تنطبق عليهم هذه الصفة فعلاً، حقاً، إلى أكثر من فئة. بينها الكاتب، والذي تقرأ من أجل أن ترى «كيف» يكتب. هذا النوع من أرباب الصنعة، يتمتع بالموهبة وما أضاف إليها من ثقافة ومنطلقات إنسانية. أما مَن تختلف معه متى تختلف، فمسألة ثانوية لا حساب لها في إطار الحرية والموقف.

كنتُ من المدمنين على قراءة الكاتب إلياس خوري، أيام كان عندما يراني يذهب إلى الرصيف الآخر لكي يتجنب إلقاء التحية، أو ردّها. وبعدما تعارفنا، ظلت القاعدة على ما هي، لا يؤثر فيها اختلاف، أو توافُق. وكما يحدث للكتّاب جميعاً، كان يطل بإبداعٍ، أو تحفةٍ أدبيةٍ، فأسارع إلى الاتصال.

كتب إلياس خوري واحدة من أوراقه الأدبية في «القدس العربي»، يوم الثلاثاء الماضي، يرثي فيها الشيوعي السوري الراحل رياض الترك. وكانت للرجل سمعة الصالحين أكثر من سمعة الثوار. فقد كانت سيرته الإنسانية أعلى بكثير من تصنيفٍ حزبيّ أو مرتبة سياسية. ويُفهم من السرد الذي يُغنيه الكاتب باللمعة الأدبية، أن الغائب كان من معارفه ورفاقه.

توقفت في هذا النص الروائي عند جملة قصيرة واحدة: «الانحطاط الذي موّله الفساد الخليجي». الحقيقة فوجئت بأن بعد كل ما حدث لهذه الأمة لا يزال الخليج مَضرب مثل. رحم الله نزار قباني، كان كلما شعر بأن جمهوره ملّ قليلاً، وضع أمامه (الجمهور) امرأة حديثة وبدوياً يُغرقها بمال النفط. تغيرت الخريطة النفطية في العالم العربي، وأصبح الكثير من النفط ثورياً تقدمياً، وظل النفط، أو الخليج، أو البدو، موّال الشعراء المفضل. يوم احتل العراق الكويت، كان ثاني أكبر دولة نفطية. لكنّ الثوريين رأوا أن الكويت تريد مزيداً من النفط. مِن مَن؟ من عراق صدام حسين.

تقف أمامنا هذه الأمة الحزينة في مربعين: واحد نسميه، إذا شئت، الخليج، والآخر أيضاً إذا شئت، ليس الخليج. «الانحطاط» الذي تَحدث عنه الكاتب العزيز، شيء صارخ لا يحتاج إلى تحديد أو توصيف. وكذلك عكسه. كالفارق مثلاً بين عشرات آلاف الخريجين كل عام، وبين اقتصاديات الكبتاغون. أو أوضاع الجامعات والعلم في الدول الثورية.

أعطى الراحل الكبير نزار لنفسه الحق في أن يعشق نساء العالم، ولم يتردد لحظة في جعل المستور من جسد المرأة عنواناً لأحد دواوينه الجميلة. لكنّ كارثة تحل بالأمة إذا جالسَ خليجي امرأة في ملاهي بيروت.

عال! كان ذلك بالنسبة له زمناً شعرياً يتسلى فيه الفقراء بهجاء الأغنياء. هذه عادات البشر في كل مكان، من قديم الأزمنة وجميع الأمكنة. أما اليوم، أيها الكاتب العزيز، فأنت وأنا نعيش في بلد بلا كهرباء وبلا طرقات، وبلا رئيس جمهورية. والسعيد منّا مَن عثر أولاده على عمل في الخليج. مع تحياتي.