في عام 2010 أخلت اليابان موقعها كثاني أكبر اقتصاد في العالم إلى الصين، وأصبحت بالتالي ثالث أكبر اقتصاد في العالم، ولكن تراجع اليابان لن يتوقف عند ذلك، ففي هذا العام 2024، من المتوقع أن يتراجع ترتيبه ويصبح الرابع، ليحل الاقتصاد الألماني مكانه كثالث أكبر اقتصاد في العالم، وسوف يستمر ذلك حتى عام 2038.
ولكن بحلول عام 2050، فإن ترتيب الاقتصاد الياباني من المتوقع أن يتراجع، حسب توقعات بنك جولدمان ساكس إلى السادس. وفي عام 2075، سيتراجع إلى الضعف ويصبح الثاني عشر، وهذا يعود إلى إن العديد من اقتصادات العالم تركض بسرعة، ولذاك سوف تلحق اليابان ومن ثم تتعداها.
ولكن هناك أسباب أخرى، منها هيكل الاقتصاد الياباني، وميله للاحتكار منذ قرون. فهذا الاقتصاد منذ القرن السابع عشر أي منذ عصر ايدو، بدأ يتجه لاحتكار العشائر للمال والثروة، وذلك من خلال نشاط عدد محدود من الشركات، تعرف باسم شركات زايباتسو zaibatsu، وأهمها 4 شركات: ميتسوبيشي، وميتسوي، وسوميتومو، وياسودا. فقد حصلت هذه الشركات منذ القدم على مزايا ضريبية ودعم وتسهيلات حكومية، مقابل دفعها عجلة التصنيع في البلاد بشكل متسارع، وهذه الشركات حافظت على مواقعها بعد رحيل الشوغون عام 1868، عندما أصبحت اليابان إمبراطورية موحدة.
وفي بداية القرن العشرين، بدأ الزيباتسو في النمو بسرعة، وفي قلب كل واحد منها كان هناك دائمًا بنك. فالزيباتسو تعني عشيرة المال. ولذلك كانت كل عشيرة تجارية تقوم ببناء الخدمات اللوجستية والعلاقات التجارية والتعدين والإنتاج الخاصة بها، وذلك في ظل أجواء من المنافسة الشرسة وحروب أسعار مرهقة وعمليات استحواذ على شركات أقل نجاحاً.
وفي هذا الصدد كتب أحد الصحفيين الغربيين في بداية القرن العشرين: أنا أبحر إلى اليابان على متن سفينة تابعة لشركة ميتسوي، والتي تم إنتاجها في حوض بناء السفن التابع لشركة ميتسوي، وأقرأ صحيفة تابعة لشركة ميتسوي، والسفينة ترسو في ميناء شركة ميتسوي، وأنا ذاهب بسيارة أجرة تابعة لشركة ميتسوي، والتي تم صنعها في شركة ميتسوي، وسوف تقلني إلى فندق شركة ميتسوي، وتضاء الطاولة التي أكتب عليها مقالي في الفندق بمصباح كهربائي من صنع شركة ميتسوي، باستخدام الكهرباء المنتجة في المحطة التابعة للشركة.
ولكن بعد الحرب العالمية الثانية تم حل شركات الزيباتسو، وحلت محلها شركات كيريتسو keiretsu، وضمن هذه المنظومة الجديدة، استعادة الشركات السابقة وغيرها سيطرتها على الاقتصاد على المستوى الرأسي والأفقي، فمن حول شركة رائدة مثل تويوتا كان هناك شركات من الباطن من مختلف المستويات. ففي منتصف الثمانينات من القرن الماضي ارتفع عدد المقاولين المتعاونون معها من المستوى الأول إلى 170، والمستوى الثاني 5.5 آلاف، والمستوى الثالث حوالي 42 ألفا، وكان معظمهم يعمل وفق نظام كانبان The Kanban system -، أي "في الوقت المناسب" وذلك من أجل تقليل المخزون.
وقد تكون هذه الهياكل التي اخذتها الشركات اليابانية عن ويليام دورانت - والتي تم التخلي عنها في الولايات المتحدة - هي واحدة من مشاكل الاقتصاد الياباني، فنتيجة لعملية الاستحواذ التي قام بها دورانت، بدأت جنرال موتورز في إنتاج 70 % بشكل مستقل، لتصبح بالتالي أكبر تجمع إنتاجي حينها، ولذلك ربما تحتاج اليابان إلى فتح مجال أوسع للمنافسة من أجل الحفاظ على موقعها التنافسي وترتيب اقتصادها في العالم.
التعليقات