تتزامن المواجهات الحالية في قطاع غزة مع مساعي الأطراف الوسيطة، وتنقل الوفود ما بين باريس – القاهرة – الدوحة بحثاً عن نقطة توافق محددة لتنفيذ المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى والمحتجزين، إلا أن كل الشواهد الراهنة تشير إلى مخطط إسرائيلي لافت يتركز في تكريس العمل العسكري، ورفض كل الصيغ الراهنة للتهدئة الكاملة ولو مرحلياً وفي ظل إشكالية كبرى متعلقة بتداخل الترتيبات الأمنية مع الترتيبات السياسية مما قد يؤدي إلى مزيد من الاحتقان، ضمن حالة ما تزال تعلن عن نفسها في ظل الكثير من المداخلات المتعلقة بما هو قادم من خطوات وتنفيذ ما يتم على أرض الواقع، ومسعى الحكومة الإسرائيلية للعمل على مراحل متقدمة، واختيار ما هو مناسب من سيناريوهات.
أمنياً تتحدث الحكومة الإسرائيلية عن سيناريو مفتوح، مع التوقع باستمرار إسرائيل عسكرياً في داخل القطاع بل، وحكمه لبعض الوقت مع استدعاء دور للجانب الفلسطيني ربما يكون من السلطة الراهنة بعد إعادة تأهيلها من جديد، أو حكم من رموز عشائرية تتعامل مع الحكومة الإسرائيلية. وفي وقت لاحق يتركز الطرح الإسرائيلي على توسيع دوائر الحكم في الضفة والقطاع مع الاعتماد على قوة الدعم المالية، ومشروع إعمار القطاع بعد تهيئة الأوضاع أمنياً وسياسياً، وهو ما تراهن عليه الحكومة الإسرائيلية خاصة مع توقع أن يتم التركيز على الخيار الأمني لبعض الوقت ما قد يعطل أي مسارات بديلة خاصة مع التحسب الإسرائيلي باحتمالات تحول بعض الفصائل إلى العمل المواجه، ومن خلال مخطط لا يغيب عن تقييمات قادة أجهزة الأمن الإسرائيلية خاصة جهاز «شاباك»، الذي يتوقع مزيداً من التصعيد الأمني ليس فقط من حركتي «حماس»، و«الجهاد الإسلامي» بل من الفصائل غير المنضبطة، والمنتمية للتيارات السلفية المتشددة التي يمكن أن تنهك الحضور الإسرائيلي المحتل بما يتطلب العمل على استمرار الوجود العسكري المقيم مع البدء في تطبيق استراتيجية من جانب واحد حيث لن يكون هناك شريك حقيقي في الحكم.
النهج الإسرائيلي في التعامل سيتم وفق استراتيجية الإقصاء، كما ستظل تناور في طرح مقارباتها الأمنية لبعض الوقت حتى مع الالتزام بما قد يجري من وقف لإطلاق النار، ومن خلال العمل التكتيكي والاستراتيجي، والسعي لتحقيق الأهداف ولو اقتضى الأمر مزيداً من الخسائر المتوقعة، حيث باتت الإشكالية متعلقة بمستقبل إسرائيل في الإقليم باعتباره قضية وجود، وليس حدود ما يعطي لإسرائيل القدرة على الاستمرار في فرض ما تريد من مخططات بصرف النظر عن أي خيارات أخرى تعمل عليها إسرائيل، وتضبط من خلالها مقاربة التعامل الاستراتيجي الراهن والمستقبلي خاصة، وأن المخطط الإسرائيلي يتركز غلى عدم تكرار ما جرى من قبل أي طرف سواء من حركة «حماس»، أو «حزب الله».
سياسياً ستذهب إسرائيل إلى خيارات متسعة من التصورات التي ستطرحها الحكومة الإسرائيلية في مداها المتوسط والطويل الأجل، وستعتمد على منهجية محددة وتدريجية ما يؤكد على أن إدارة القطاع، وحكمه يتمان في سياق من سياسات متعددة، ومتنوعة بصرف النظر عن أي ترتيبات أمنية موضوعة ومخطط لها خاصة وأن إسرائيل تتحسب لأي ارتدادات سياسية داخلية.
واقعياً تحتاج إسرائيل إلى تعزيز شراكتها مع السلطة الفلسطينية التي أضعفتها بالفعل، وحجبت عنها المتحصلات الجمركية، وأوعزت للإدارة الأميركية بحجب مساعداتها، وحرضت عليها المؤسسات المالية ما يؤكد أن الحكومة الإسرائيلية تحتاج إلى اتخاذ إجراءات وتدابير جديدة.
وليس فقط التنسيق الأمني والعمل كشريك حقيقي، وليس وقت الحاجة مع وقف الانتهاكات والممارسات الأمنية في المخيمات الفلسطينية، والتي ستؤدي إلى مزيد من التوتر مع الإدراك بأن الوضع في الأراضي الفلسطينية يحتاج الي تعويم دور السلطة، وتعزيز دورها.
ومن ثم فإن إسرائيل ليست في حاجة لترجيح مواقفها ما بين السياسي والأمني، وإنما في الإقدام على تبني استراتيجية محددة والانتقال المرن لجملة من السياسات، والتخلي عن فكرة الإجراءات الانفرادية التي يمكن أن تذهب بكل ما يجري إلى خيارات صفرية في ظل استمرار المشهد مفتوحاً على مصراعيه على خيارات عدة ليبقى المتطلب الأمني له الأولوية على أي اعتبار آخر خاصة، وأنه لا يوجد اتفاق أو توافق حقيقي في مجلس الحرب على تبني مقاربة واحدة، وإنما ترك الأمر لاعتبارات متعلقة بكل ما هو قادم.
وعندما يتم وقف إطلاق النار والانتقال إلى مرحلة تالية من التعامل ليس فقط في القطاع بل، وفي الضفة الغربية، سيبقى لإسرائيل توجهاتها التي ستعمل عليها، وفي ظل توقعات باحتمالات تغيير الحكومة الإسرائيلية، أو على الأقل إجراء تغيير في مكونات الائتلاف الحاكم ما قد يغير من قواعد اللعبة، أو يعطل ما قد يطرح في الوقت الراهن من سياسات، ولكن من المؤكد أن خيارات توظيف القوة العسكرية سيعلو على كل الأهداف التي يجري التخطيط لها الأمر الذي سيتطلب تبديل في بعض السياسات، وإعادة تدوير بعض الحسابات الإسرائيلية أمنياً وسياسياً، وذلك في الفترة المقبلة.
التعليقات