الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقادة الجيش الروسي، يدينون بالكثير للمقاومة الفلسطينية وحركة حماس، التي نفذت عملية طوفان «الأقصى» في 7 أكتوبر الماضي، ومدينون بدرجة ما لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنينامين نتانياهو والجيش الإسرائيلي، الذي ينفذ عدواناً غاشماً ومفتوحاً ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، منذ ظهيرة اليوم نفسه وحتى هذه اللحظة.

قد تبدو المقدمة السابقة متناقضة وغريبة لكثيرين، لكن من يتأمل تطور الأحداث والتفاعل الكبير والتأثير المتبادل ما بين الصراع الروسي ـ الأوكراني الغربي من جهة، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي المدعوم من الغرب أيضاً من جهة أخرى، سوف يكتشف العلاقة العضوية بين الحدثين، وكيف تلقى بوتين والجيش الروسي خدمة مجانية، لم يكن يحلم بها، حتى لو كانت هدية مؤقتة.

بالطبع، لا يوجد تخطيط مشترك ما بين روسيا وكل من المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، في ما تم صبيحة 7 أكتوبر، بل إن إسرائيل نفسها أصيبت بكابوس لن تستفيق منه لفترة طويلة. لكن ما أتحدث عنه أنه ما قبل فجر هذا اليوم، حينما نفذت حركة حماس عمليتها ضد الجيش الإسرائيلي ومستوطني غلاف غزة، كانت روسيا تواجه موقفاً عسكرياً وسياسياً وإعلامياً صعباً، منذ دخول قواتها إلى أوكرانيا في 24 فبراير 2022.

الغرب حاصر روسيا، وحول وجودها في أوكرانيا إلى عملية استنزاف مستمرة، ووسع من انتشار حلف شمال الأطلنطي «الناتو»، لدرجة أنه صار يتمدد على حدودها، بعد انضمام السويد قبل أسابيع قليلة، إضافة إلى وجوده في بولندا وبعض دول البلطيق.

الولايات المتحدة قدمت لأوكرانيا مساعدات بمليارات الدولارات، وفتحت مخازنها العسكرية، وقدمت لها أحدث ما في ترسانتها من أسلحة، بهدف استنزاف روسيا وإغراقها في هذا المستنقع، حتى لو كان الثمن هو تدمير أوكرانيا وإضعاف أوروبا، إضافة إلى إقناع أوروبا بدعم أوكرانيا اقتصادياً وعسكرياً، وزيادة موازناتها العسكرية. وكانت قمة هذا الدعم في شن الهجوم الأوكراني المضاد الذي بدأ في الصيف الماضي، وكان يؤمل أن يحقق نتائجه ويغير المعادلات العسكرية على الأرض بحلول الخريف الماضي.

في هذا التوقيت حدث الزلزال في غزة، ونعلم تماماً أن الولايات المتحدة ركزت جل جهدها ومواردها وإمكاناتها لنجدة إسرائيل. جاء جو بايدن بنفسه ليطمئن الإسرائيليين بأن أمريكا معهم، وأرسل لهم حاملات طائرات وسفناً نووية، وفتح الخزائن المالية والمخازن العسكرية، بكل ما تحتويه من أموال وأسلحة وذخائر ومعدات عسكرية متنوعة، وسخر الجهد الدبلوماسي لمنع إدانة إسرائيل أو أي محاولة دولية لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن.

نعلم تماماً تفاصيل ذلك، لكن ما علاقة هذا الأمر بروسيا وأوكرانيا؟!

العلاقة واضحة ببساطة، أن الولايات المتحدة نسيت أوكرانيا تقريباً، ومعها غالبية الدول الأوروبية الكبرى، مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا، التي ركزت معظم جهدها على دعم إسرائيل والدفاع عنها بكل الطرق.

الدعم العسكري والمادي انخفض إلى حد ما عن أوكرانيا، وصار الرئيس الأوكراني زيلنسكي يشكو علناً من ذلك، بل ويتهم بعض الحلفاء بأنهم تخلوا عن بلاده.

غالبية الجمهوريين في الكونغرس رفضوا لمدة طويلة تقديم الدعم لأوكرانيا.

إدارة بايدن حاولت دمج المساعدات المالية لأوكرانيا مع الدعم المقدم لإسرائيل، لكن الجمهوريين قاوموا ذلك بإصرار. الضغط الإعلامي والدبلوماسي الأمريكي والغربي، صار مركّزاً تماماً على غزة والشرق الأوسط، وعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث والأضواء، وتقاطر زعماء الغرب والعالم إلى منطقة الشرق الأوسط لحماية إسرائيل أولاً، ولمنع انفجار الوضع أكثر، بما يصب في المصلحة الروسية والصينية، خصوصاً بعد اشتعال جبهة باب المندب والبحر الأحمر.

والنتيجة العامة هي أن روسيا تمكنت أخيراً من التقاط أنفاسها، وشنت هجمات مضادة كثيرة، تمكنت فيها من السيطرة على مناطق استراتيجية في إقليم الدونباس.

بالطبع هذا التحول الاستراتيجي له أسباب كثيرة متعددة، لكن أظن أن حرب غزة كانت السبب الأول والرئيس في هذا التحول، وبالتالي، فإن بوتين يظل مديناً للمقاومة الفلسطينية، حينما نفذت عملية طوفان الأقصى، ومديناً أيضا لنتانياهو ومتطرفيه، لشن العدوان، واستمراره بهذا الشكل، للدرجة التي جعلت العالم بكامله لا ينشغل تقريباً إلا بهذه المجزرة الإسرائيلية غير المسبوقة.

السؤال: هل هذا التغير دائم أم مؤقت، وإذا توقفت حرب غزة، هل يعود الغرب مرة أخرى لدعم أوكرانيا بالشكل القديم، لمواصلة خطة استنزاف روسيا؟. سؤال سنعرف إجابته قريباً.

* رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية